هذه ليست نصيحةً ولا حكايةً بطولية، فقط وجعٌ قديم أُخرجه.

كلماتي التالية تشبه مسمارًا مليئًا بالصدأ دخل جسدي، وسبب تعفنًا لكامل الجسد.

في الصف الثاني الإعدادي، وفي أحد الأيام الدراسية، كانت الحصة الأخيرة لمدرس الرياضيات (أ. إبراهيم). وكان يحتاج للذهاب إلى مكان آخر خارج الفصل، فجعلني أقف على الفصل.

(وكان من المتعارف عليه في مدارسنا أن يختار المعلم طالبًا لكتابة أسماء المتحدثين أثناء غيابه عن الفصل، على أن يُعاقب هؤلاء لاحقًا عند عودته. وفي بعض الأحيان، كان الطالب نفسه يُهدد بأنه سيتعرض للعقاب إذا لم يُسجل أسماء على السبورة).

وقد كنت أنا تعيس الحظ في ذلك اليوم، فكتبت أسماء بعض الأشخاص على السبورة، منهم إبراهيم ومدحت.

وما إن كتبت أسماءهم، حتى بدأوا يهددونني بالإيذاء، لكنني لم ألتفت لكلامهم.

وبمجرد عودة المعلم، كان اليوم شارف على الانتهاء، فلم يُعاقب أحدًا، ثم رن الجرس ليعلن نهاية اليوم الدراسي... ويعلن معه بداية الألم.

خرجت لأفاجأ بإبراهيم ومدحت وعدد من الطلاب، يحملون أوراقًا مربعة كبيرة، كتبوا عليها لقبًا مهينًا، وبدؤوا ينادونني به بصوت عالٍ، كأنهم في مظاهرة. انضم إليهم طلاب آخرون لم يكونوا حتى من فصلي، ووصل عددهم إلى أكثر من خمسة وعشرين.

هرعت إلى منزلي، لكنهم بدأوا بإلقاء الحجارة عليّ، ثم رماني أحدهم بكيس قمامة على رأسي. التفتُّ إليهم، حاولت أن أقاوم، لكن دون جدوى.

أحدهم، اسمه مصطفى، شعر بالشفقة، فبدأ يطلب منهم أن يتوقفوا، محاولًا حمايتي، ولكن دون جدوى أيضًا.

كنت قد اقتربت من منزلي، نبضات قلبي تتسارع، وأتصبب عرقًا، لا أريد أن يعرف والداي، لأنني سأُعاقَب أنا، وليس أحدٌ غيري.

خلع أحدهم حذاءه وقذفه على رأسي. هنا فقدت أعصابي. أخذت الحذاء، ولحقت به، وأوقعته أرضًا، وبدأت أضربه، وكنت أقول لنفسي: "سأقتله".

لكن بعض أصحاب المحلات تدخلوا، وفضّوا التجمهر، وخرج أحدهم بعصا وهددهم.

جريت بأقصى سرعة إلى المنزل. أول ما فعلته أنني ألقيت ملابسي في الغسالة، وغسلت رأسي التي أُصيبت ببعض الجروح والخدوش.

في اليوم التالي، ذهبت إلى المدرسة، وعرفت أن أحدهم أخبر معلمة اللغة العربية (أ. نجوى) بما حصل.

حين دخلت، نادتني وقالت: "احكي لي اللي حصل معاك امبارح". بدأت أخبرها، فقاطعتني: "يعني كنت سايبهم ماشيين وراك بيشتموك ومعملتلهمش حاجة؟"

قلت لها: "أعملهم إيه يا ميس نجوى؟ دول أكتر من عشرين واحد!"

قالت: "آه، طيب طيب، هبقى أشوف الموضوع بعدين، ارجع مكانك."

أتذكر أنني في تلك الفترة كنت أجلس في المنزل على كرسي، أضم قدميّ إلى صدري، وألف ذراعي حولهما، وأبكي. وأقول لنفسي:

"معلش، معلش، متعيطش، الحمد لله إنك كويس، والموقف خلص خلاص."

يا الله، كم أتمنى أن أعود لتلك اللحظة لأحتضن عمر الصغير.

كم كان يحتاج إلى ذلك الحضن... ولم يجد أحدًا يمنحه إياه.

ربما لا يصدق البعض هذه الحكاية، أو يظن أنني أبالغ، أو أضيف بعض التفاصيل.

لكن صدقني، لا يهمني.

أنا فقط أعلم ما حدث... وما شعرت به.

واليوم، بعد 12 عامًا، ما زلت أحاول أن أتحمل ذلك الألم، وأنزع المسمار...

لعل في ذلك الشفاء.