كيف نتعافى من خيبات الحياة؟
مقدمة:
في كثير من الأحيان، نجد أنفسنا وسط الألم، نُخذل من أحبّتنا، أو نفقد من لا يُعوّض، أو نمرّ بلحظة انكسار تغيّر ملامحنا من الداخل… فنبحث عن باب، عن خريطة، عن لحظة نفيق فيها، عن"زر" نضغطه، لنتعافى سريعًا، لنُشفى دون ألم، لكن الحقيقة أن التعافي ليس زرًا… بل طريق؛ فالألم لا يُلغى، بل يُحتوى، والشفاء لا يُستعجل، بل يُعاش.
لماذا يؤلمنا الخذلان والفقد؟
لأننا بشر، نرتبط، نتعلق، نأمل، نُعطي، ثم نحزن عندما لا نجد المقابل، أو نفقد ما كان يومًا يعني لنا العالم كله. لأن أرواحنا خُلقت لتحب، وعندما يُنتزع منها من تُحب، ترتبك، وتنزف.
التعايش لا يعني النسيان
التعايش يعني أنك لا تُنكر الألم، لكنك تعيش برغم وجوده. أنك تمشي وهو معك، لكنه لم يعد يقودك. تعني: أن تتعلم كيف تُبقي قلبك دافئًا حتى في ليالي البرد.
كيف نبدأ التعافي؟
- اسمح لنفسك أن تحزن: الحزن ليس ضعفًا، بل خطوة أولى في طريق التعافي. لا تقمع مشاعرك. قل لنفسك: "من حقي أن أحزن، من حقي أن أتألم، لكن لن أسمح لهذا الحزن أن يبتلعني للأبد."
- اسمح لنفسك أن تتألم: التعافي لا يعني الإنكار، بل يعني أن تقول لنفسك: "نعم، ما مررتُ به كان مؤلمًا، وكان حقيقيًا… لكني سأمنح نفسي وقتًا ومساحة لأُستعيد التوازن من جديد." المشاعر ليست خطأ، كبتها هو الخطأ.
- التقبّل ليس استسلامًا… بل شفاء. فحين نقول "تقبّل"، لا نعني الرضى بالمصيبة، بل القبول بأن ما حدث قد حدث، وأنك لن تعيش في معركة دائمة معه. التقبل هو أن تقول: "هذا الألم مرّ بي… لكني لن أُقاومه، بل سأعبر من خلاله."
- اكتب رسالتك الخاصة: ما الذي علّمتك إياه هذه التجربة؟ هل اكتشفت حجم قوتك؟ هل اقتربت من الله؟ هل انكشف لك وجه لم تكن تراه في نفسك أو في غيرك؟ ما دام وراء التجربة حكمة، فأنت لم تخسر كل شيئا.
ماذا عن الأفكار المؤلمة؟ كيف نتعامل معها؟
لا تطاردها، ولا تقاتلها. راقبها وكأنك تراها على شاشة، دون أن تدخل داخلها. وكلما عادت، قُل: "شكرًا، لكني لن أشاركك هذا الرقص الحزين اليوم."
استبدلها بلحظة طمأنينة: آية، ذكر، تنفّس عميق، تأمل، صوت من تحب.
ماذا عن النجاة؟
النجاة ليست نسيان التجربة… بل أن تتذكّرها دون أن تنكسر. النجاة أن تخرج من النار، لا برماد القلب، بل بنور الحكمة. أن تقول: "مررتُ من هناك... وتغيّرت." وتُكمل السير، بوعي، برحمة لنفسك، بلطف مع الآخرين.
أين نجد الطريق في التيه؟
1. الإيمان بأن ما أصابك، ما كان ليُخطئكا؛ فالله لا يُقدّر شيئًا عبثًا، ولو كُشف لك لِمَ حدث ما حدث، لقلت بقلب راضٍ: "الحمد لله".
2. التجارب السابقة: تذكر: كل مرة قلت: "لن أتحمّل"، وتحملت. كل لحظة خذلان مرّت بك، وخرجت منها أقوى. كل تجربة… كانت تُعلّمك.
3. الوعي بذاتك وأفكارك: لا تصدّق كل فكرة مؤلمة تمرّ بك. راقبها، اسألها. أحيانًا تكون مجرد "صوت قديم" لا يمثّلك. تعلّم أن تقول: "هذه الفكرة موجعة، لكنها ليست أنا."
خطوات عملية:
- لا تستعجل التعافي… هو رحلة، وليس سباقًا.
- اكتب مشاعرك، لا تحتفظ بها في الداخل.
- الروتين البسيط… خطوات صغيرة، مشي، شمس، كتابة، هواية.
- اقترب من الله كما لم تفعل من قبل. الرجوع إلى الله… ليس كلامًا، بل انكسارًا صادقًا في السجود.
- الدعاء… ابكِ لله، قل له:"اللهم اجبرني جبرًا يليق بعظمتك."
- الصحبة الصالحة… لا تقطع عن نفسك النور. صاحب من يُشبه قلبك، لا من يُشعرك بالنقص.
- اجعل بينك وبين أفكارك مسافة، ولا تُصدقها دائمًا.
- إن استطعت، فاطلب المساعدة من أهل الثقة أو المختصين.
ختاما…
{ وَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تُحِبُّوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ شَرࣱّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢١٦]
في قلب الألم، تُولد أعظم النسخ منك. وفي لحظة الانكسار، يبدأ النور بالتسلل. وما دام الله موجودًا، فلا شيء مستحيل.
التعافي ممكن. فقط لا تتوقف عن السير. فكل تجربة موجعة تحمل في طيّاتها رسالة: أنك أقوى مما تظن، وأن الله أقرب مما تتخيل.
التعافي لا يعني ألا تتألم، بل أن تُضيء نورًا رغم الألم، وتقول: "أنا لا زلت هنا… وأنا أحاول، وهذا كافٍ."
"اللهم اجعلنا بك، نتجاوز كل شيء"
التعليقات