السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

إن كان لديك تصور مبدئي بأن المصاب بفرط الحركة وتشتت الانتباه هو طفل مشاغب لايسمع الكلام ولايجيد التصرف درجاته المدرسية سيئة ومن المستحيل اجلاسه قليلاً ليحل واجباته .. قد تكون محقاً، ولكن فكّر ثانية .. فقد تكون تلك الصورة أكبر قليلاً من الـ "تيبيكال" .

سأحكي لكم اليوم قصة حياة ايفي كفتاة مصابة بفرط الحركة وتشتت الانتباه ولنستخدم الاختصار: " افتـا".

فرط الحركة

بداية وأهم مالدي لقوله الحياة الواقعية كانت مملة جداً بالنسبة لي، كان من المستحيل علي تقبل ان الواقع هو الواقع وأن الطيران او القوى الخارقة هي أمور لن تحدث لي أبداً، كنت أقضي جزءاً كبيراً جداً جداً من أيامي في عالم الخيال، كنت شخصية أخرى ولدي أصدقاء خياليون كثر لن أقول ألعب معهم كل يوم فتلك ليست الحقيقة، كنا نقوم سوية بانقاذ المدينة " التي هي عبارة عن غرفة المجلس في هذا السياق ههههههه" المتفرج من بعيد سيرى فتاة تنط وتقفز هنا وهناك على الكنب وتلعب بالمراكي وتجول وتتحدث في الغرفة وحدها، لو أقسمت لكم انه لساعات كانت الغرفة تتلاشى وكنت اعيش داخل رئسي في بعد آخر لماصدقتم. هذا كان خيالي الخصب والواضح جداً كانه حقيقة في رأسي، مع السنين اضطررت لتوديع اصدقاء الخيالين فقد كبرت، واصبح يتوجب علي ان اكون طبيعية .. الأمر الذي حاولته لسنوات بلافائدة هههههههه، المهم أن عقلي كان لايشبع ولا يهدأ وكانت تلك البطولات تفريغ طاقة كبير بالنسبة لي .

تبدو هذه بداية لطيفة، ولكن دعونا ندخل أكثر في تفاصيل المرض.

صعوبة الاستجابة للأوامر والطلبات

هذا تحدي بالنسبة لأي طفل أو بالغ مصاب بأفتا، لسببين، الأول أنني بالفعل لو اخبرتني أمي ان ازيد الماء على القدر الموضوع على النار وآتي لها بفنجان قهوة .. فسأقوم باحضار كأس وأصب فيه الماء وأجلبه لها هههههههه، الأوامر المركبة ليست سهلة علي، كثيراً ما سمعت من والدي أني وكأني لست موجودة، وطلبوا مني مراراً أن أسمعهم جيداً دون فائدة. كان عليهم أن يطلبوا مني الامور شيئاً شيئاً كي لايتشتت عقلي .

الأمر الثاني وله مصطلح في علم النفس ولكني لا افضل استخدامه لأنه لايعبر جيداً عن الحال، وهو أن تقبل الأوامر صعب أساساً بالنسبة لنا .. نحن متصالحون تماماً مع الطلبات وإن اخفقنا، ولكن السلطة .. محاولات الاخرين لاجباراً على أن "نسمع الكلام" ونكون كالبقية ونلزم الصف ليست سهلة دوماً .. لدينا نفور من الاكراه والسلطة والقوانين واللوائح .. هل لأننا لانستطيع الالتزام اصلا ؟ لا ادري .. ولكن بالتأكيد الأوامر والضوابط تسبب شعوراً فضيعاً بالاختنااااق. لذلك قد تجدون اطفالاً تظهر عليهم سلوكيات العناد أو بالغين يكرهون بشدة أن يتأمر عليهم احد حتى لو كان ذو مقام يسمح له بذلك.

للأسف بالنسبة لي كان ادراك مقامات الناس صعباً، وكنت اخبر مراراً بهذا .. لطالما تصدرت بالحديث أمام مديرة المدرسة مثلاً دون أن آبه بشيء .. ليس بسبب جرئتي بل لأن موضوع السلطة كله كان شائكاً جداً لدي أعلم انها مديرة المدرسة ولكن عقلي يجهل كيف يخاطبها وفق هذا المقام .. ساخاطبها بالتاكيد كاي شخص اخر .

العلم والتحصيل الدراسي

على عكس المعتقدات الخاطئة، عادي جداً أن يكون المصاب بأفتا لديه تحصيل عالي، كنت ذكية جداً بالمدرسة وكان هذا يسمح لي بتحقيق درجات عالية، حتى أنني كنت اتخذ من الامتحانات لعبة وأندفع بششششدة اول ماتأتيني الورقة وأحلها بجنون لأنتهي منها أولاً، ولكن كأغلبيه من لديه أفتا كان يصعب جداً علي ان احل واجباتي باكراً مهما حاولت، بدون مزاح كنت احلها 5 دقايق قبل أن تأتي المعلمة، في الحقيقة كنت أحل واجباتي أثناء تفقد المعلمة لواجبات الجميع =))

حل الواجبات .. النظام .. الالتزام بجدول أو روتين .. انسى هذا مع أفتا، وعلى الرغم انني بعمري لم أعرف ماذا أود أن اكون إلا انني كنت احب ان اتعلم وكنت اسأل كثيراً .

نقص الدافع

لو شاهدتم مسلسل "خلي بالك من زيزي" كان هناك مشهد حين يسأل المعلم تيتو ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر، فتجيب انها لاتريد ان تكون شيئاً ويضحك عليها الطلاب، حدث لي موقف مشابه جداً وأنا في الثانوية :")

كنت متشتته جداً جداً بين ما أريد أن أكونه، الحقيقة التشتت قد يكون بسبب عدم وجود دافع كافي يرجح شيئاً بشكل تلقائي عن الآخر، ولربما كانت هذه الحقيقة التي اكتشفتها متأخراً، لم أكن أملك الدافع الكافي للاستمرار بأي شيء، أو بناء أي عادة أو حب شيء والاستقرار عليه دوماً، كل صيفية تراني اتحدث عن شيء مختلف او لدي اهداف مختلفة كل كم شهر اريد ان اصبح شيئاً مختلفاً حين أكبر كل هذا بحثاً عن شيء يعطيني دافعاً حقيقياً، وأدركت هذا الامر وانا في الجامعة .. لا شيء يستحق .. طالما لن أنقذ العالم واكون تلك البطلة الخارقة التي كنتها في غرفة المجلس .. لاشيء يستحق وقتي حقاً .. not enough stimulant for me .

فرط الحركة وتشتت الانتباه في الكبر

جدير بالذكر ان اقول هنا أن غالبية الاطفال المصابين بأفتا لايتعافون منه ويصبح أفتا البالغين، وهذا ماحدث معي .. والأهم ذكره .. أن غالبية الاناث يصعب تشخيصهن في سن صغيرة مع ان الاضطراب نماءي وذلك لأن معايير التشخيص بدءاً تلاءم الـ "تيبيكال" لدى الأطفال الذكور .. ولما لايطابقن تلك الصورة يساء تشخيصهن. فضلاً عن أن أعراض افتا تصبح أسوأ مع سن البلوغ .. او عموماً مع زيادة الاستروجين .

بعد أن توقفت عن تصدير طاقتي الكبيرة في أحلام اليقظة تلك، وفي نهاية المرحلة المتوسطة، حصل عندي تغيير غريب، بدأت اصوات المعلمات تصبح أبعد وبدأ التركيز يصبح أقل من ذي قبل وتراجعت درجاتي ولكن ليس بالشكل الكافي ليجعلني أقلق .. مازلت بخير؟

ولكن في الجامعة كان الوضع يستحق التشخيص فعلاً .. توقفت تمااااماً عن التمكن من الاستماع لحرف مما يقوله دكاترة الجامعة .. إلا اللهم في المواد التي تثير أهتمامي وتعطيني شيئاً من الدوبامين في فهمها، عدا عن ذلك .. كنت اسمع أول دقيقة أو دقيقتين فقط ووالله لا أعرف مالذي يحدث بعدها يصبح صوت المحاضر background noise، مهما حاولت لم أكن استطيع لافهم مايقول ولا تسجيل ماقاله قبل قليل اصلاً .. كنت احاول جهدي ولكن اجلس ساعتين في محاضرة لا اسمع منها شيئاً واحاول ان اتابع مع الكلام لكنني لا استطيع ان اربط بين الجملة السابقة والجملة التي تليها أصلاً . كان الموضوع غير طبيعي البته وامتد فترتها حتى إلى الأفلام .. فانا كنت أنام متى ما جئنا نشاهد فلماً .. ببساطة لاني لا استطيع التركيز في الحبكة حتى ! تلك الفترة كانت قمة تشتت الانتباه بالنسبة لي وكان الاضطراب سيئاً جداً عندي .. طبعا مع وجود عوامل القلق والتوتر والتي بنظري هي التي تسببت بتفاقم تشتت الانتباه وزاااااد الاندفاعية في سلوكي جداً لأن طاقتي الكبيرة اصلاً لم تكن تخرج أو تنظم بشكل سليم.

أعراض أخرى

سأذكر هنا مجموعة أعراض أخرى فيّ :

  • تضييع الأشياء، لايهم ماهي قيمتها على الدوام أقوم بتضييع أو تكسير الاشياء رغماً عني.
  • مشكلة كبيرة جداً في ادراك الوقت، فالوقت بالنسبة لي إما الآن .. أو ليس الآن. وهذا يؤدي الى صعوبة شديدة في التخطيط .
  • تذبذب في الانجاز، تراني فترات اعمل على شيء ساعات طويلة تصل ل 18 ساعه متواصلة دون ان اشعر فيما يسمى بالـ hyperfixation وانجز جيداََ جداً دون التعب او الاحساس بالوقت، وفي اوقات اخرى يمر الوقت ساعات تلو ساعات وانا اشعر انها ساعه اردت الاستراحه فيها فقط. كما انه من الشائع لدى المصابين بافتا ان يتذبذبوا في أداءهم الدراسي .. فاما درجات عالية جداً أو سيئة جداً .. وهذا حالي.
  • الذاكرة الحية السيئة، ان قمت الآن لاحضر كأس شاي .. فسأنسى وانا امام المطبخ لماذا أنا هناك هههههههههههههههههه، بامكانكم القول ان الانسان الطبيعي ذاكرته الحية تخزن 7 اشياء مثل بينما شخص بافتا سيخزن 3 اشياء لذلك الشيء الرابع سيجعل الشيء الاول يخرج من الحسبة.
  • الاندفاعية، والتهور .. الاخطار التي يضعها الاخرون بالحسبان من الصعب علي ادراكها .. مثلاً على الرغم من انك تكره مديرك في العمل الا انك لن تقول مشاعرك الحقيقية لانك تريد الاحتفاظ بعملك .. شخص مثلي لن يفهم المخاطرة وسيجد طريقه ليقول لمديره لماذا هو مدير سيء =)))) .. طبعا بالنسبة لمصابين آخرين بافتا هناك وسائل تهور شتى قد تودي بالحياة حتى.
  • مشاعر مضطربة وغير منظمة.
  • سأعدل أن تذكرت شيئاً =))

هذي قصتي مع افتـا باختصار =)))) وأنا أشاركها رغبةً مني في أن يقرأ من لديه أعراض مشابهه أو تجربة أو يشك في وجود المرض به علها تعينه في فهم نفسه أو تشجعه على تلقي مساعدة طبيب .

أظن أنني سأتحدث عن تجربتي في العلاج في المساهمة القادمة .