أنظر له في المرآة.. يبدو غريباً مُغترباً.. ومع ذلك أجد نظراته حادة غير زائغة.. النظر إليه لمدة طويلة يكاد يفتك بعقلي.. أراه يقف صامداً، لكنه حزين.. أظنه يود قول شيئاً ما، لكنه تراجع، وكأن الكلمات وقفت في حلقه مثلما توقف قطار الحياة في عمره.. أغمض جفنيه وفتحهما بسرعة، كالسرعة التي يتجاوز بها آلامه، ليتمكن من تحمل المزيد.. يرتدي ملابس بلون تلك المادة داخل جمجمته.. يحرك يديه ببطء مثل سحاب ليالي ديسمبر.. وتضيق حدقة عينه، مثلما ضاقت به الدنيا وجاء هنا ليقف أمامي.. يُخرج الهواء من رئتيه بقوة، لكنها لا تماثل القوة التى تحمل بها قسوة الحياة في عامه الأخير.. تلمع عيناه إشراقاً، وكأنه ينظر لمدينة باريس من أعلى برج إيفل، لكنه ما لبث أن أجهش بالبكاء كطفل جائع فقد أمه.. لا يستطيع الوقوف ثابتاً.. إنه يترنح أمامي.. يمسك بالحائط ظناً بأنه سند، ليتفاجأ به يهوى على الأرض وهو جريح.. يتألم ويبكي بحرقة.. يعض على أنامله.. يضرب الفراغ برجليه.. ويحاول أن يحتضن جسده بشكل مثير للشفقة.. لقد كان مثل الجبل في شموخه منذ ثوانٍ، والآن....
أمام المرآة
ليس هذا مجرد تأملٍ في انعكاس، بل مواجهة صامتة مع الذات حين تنهكها الحياة وتُثقلها الخيبات. ذلك السقوط ليس ضعفًا، بل لحظة صدق مؤلمة يكشف فيها الإنسان هشاشته أمام نفسه فقط. إننا لا ننهار إلا حين نشعر أن لا أحد يسمع وجعنا، ولا جدار يُسندنا ...ومع ذلك فالحياة تُعطينا مع بداية كل يوم فرصة للبدء من جديد .
التعليقات