كثيرًا ما نسمع معلم يوبخ طالب ويصفه بالغبي لأنه لا يستوعب ما يشرحه، وغالبًا ما سنجد أن الجميع يلوم على هذا الطالب حتى أهله، ويضعونه دائمًا في خانة الغبي بطئ الفهم، وهذه قد تكون أقل الكلمات سوءًا التي يتعرض لها الطفل. ومن ناحية أخرى يرى الكثير من الأشخاص أن عدم فهم الطلبة يقع لومه على المعلم، لأن دور المعلم في الأساس هو توصيل المعلومة بأبسط طريقة وبما يناسب قدرات كل طالب على حدى، أي أن المعلم الذي لا يستطيع إيجاد طريقة مناسبة للطفل لكي يفهم ويستوعب على حد قولهم هو معلم "فاشل" لأنه أخفق في مهمته الأساسية، وبغض النظر عن أي من وجهتين النظر هي الأصح، ولكننا في كل الأحوال أمام مشكلة تحتاج للحل، فكيف برأيكم يمكن سد الفجوة بين ما يحتاجه الطالب وما يقدمه المعلم؟
طالب غبي أم معلم فاشل؟
ذكاء منخفض أو من تأخر عقلي في فصول دراسية خاصة ببرامج ومناهج صممت خصيصا لهذه الفئة
ما اتحدث عن مختلف تماما عن ما أشرت إليه، الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة لديهم نظام تعليمي خاص بهم بالفعل ومدرسين خاصين بهم يختلفون عن المدرسين العاديين ومؤهلين للتعامل معهم ومع احتياجاتهم وبالفعل لهم مناهجهم الخاصة، أنا لا أقصد بحديثي أنا أقصد طالب عادي أو طبيعي الذكاء لا يعاني من أي مشكلة ولا تأخر ولكن قد يصعب عليه فهم بعض الدروس أو النقاط أو يستثقل بعض المواد وهذا يحدث معنا جميعا على اختلاف قدراتنا ودرجة ذكاءنا ونحن طبيعين تماما، أنا مثلا كنت أحقق أعلى الدرجات على مستوى سنوات دراستي جميعها ولم تكن لدي مشكلة في الاستيعاب والفهم بشكل عام بل كنت سريعة في الفهم والاستيعاب، ولكن هل هذا يعني أنني لم أواجه مشكلات من هذا النوع؟ بالطبع عانيت، في المدرسة كانت لدينا مدرسة رياضيات لم يكن تخصصها رياضيات من الأصل كانت في الأصل مشرفة اجتماعية ولسد عجز المدرسين بالمدرسة جعلوها معلمة رياضيات، أما كنت أكره حصصها لأنني لا أفهم منها شيئا، وكانت دائمة الصراخ والتوبيخ وهي من تحتاج لذلك على سوء شرحها، أي بالفعل المشكلة قد تكون في المعلم فعلا لأنه غير مؤهل بشكل كافي للقيام بوظيفته.
قد يواجه الطلاب صعوبات في فهم بعض المواد أو النقاط حتى وإن كانوا طلابًا طبيعيين أو أذكياء، وهذا يمكن أن يعود إلى جودة التدريس وكفاءة المعلم. جودة التدريس وتأهيل المعلم تلعب دورًا كبيرًا في فهم واستيعاب الطلاب للمادة. من خلال التدريب المستمر والتقييم الدوري، يمكن تحسين أداء المعلمين وتوفير بيئة تعليمية أكثر فعالية تلبي احتياجات الطلاب المختلفة.
يمكن تحسين أداء المعلمين وتوفير بيئة تعليمية أكثر فعالية تلبي احتياجات الطلاب المختلفة.
ولكن للأسف تظهر مشكلة أخرى هنا وهي عدم تعاون المعلمين فيما يخص تطويرهم، فتجد الكثير منهم رافض للتطوير أو لا يستطيع التعامل معه مهما حاول، فجزء كبير من التطوير المهني يركز على استخدام التكنولوجيا وتوظيفها في التعليم وبالطبع الأجيال الكبيرة من المعلمين لديهم عقدة فيما يخص أي شيء إلكتروني أو تكنولوجي، ويستثقلون فكرة أنهم يحتاجون للتعلم والتطوير بعد أن وصلوا لهذا السن وهذه المكانة والخبرة.
وأنا لا أتحدث عن ذوي الاحتياجات الخاصة, بل أصحاب الذكاء المنخفض الذين يتم نعتهم بالغباء, هؤلاء الأطفال لهم برنامج دراسي خاص في دول عدة, في حين لا يوجد تقييم ذهني للطلاب بأغلب الأنظمة التعليمية العربية.
بالنسبة للمثال الذي سردته عن معلمة الرياضيات التي كانت بالأصل مشرفة اجتماعية, فهنا من الذي يُلام؟ المشرفة الاجتماعية أم النظام؟ لا يمكن أنا كمسؤول على التعليم أن أجلب شخصا من الشارع لتدريس الأطفال مادة لا يفقهها ومن تم ألومه على النتيجة! هذه المشرفة لم تزور أوراقها وتدعي كذبا أنها حاصلة على شهادة في ديداكتيك الرياضيات, بل تم جلبها لسد الخصاص.. إذن المشكلة في من خلق هذا الخصاص منذ البداية, لماذا لا يوجد معلمون بدلاء على أهبة الاستعداد في حال مرض أو موت المعلم؟ ولماذا يتم سد الخصاص بأطر لا علاقة لها بالتعليم؟
أصحاب الذكاء المنخفض ممن خضعوا لاختبارات ومقاييس حددت نسبة ذكائهم وأقرته بأقل من الطبيعي يقعون تحت بند "ذوي الاحتياجات الخاصة"، لأنهم يحتاجون بالفعل احتياجات خاصة عن اقرنائهم العاديين. أما بالنسبة لحالة المثال الذي أشرته أنا أردت توضيح أن الطالب قد لا تكون المشكلة منه إطلاقا ولكن في أسلوب شرح المعلومة، وبعيدا عن معلمة الرياضيات التي ذكرتها، الأمر تكرر معي بشكل شخصي في مراحل تعليمية مختلفة وفي مواد مختلفة وكانوا معلمين مختصين بالمادة، بل منهم دكاترة الجامعة الذين هم أكثر ارتباطا بالمادة العلمية ولكن قدرتهم على توصيلها ضعيفة جدا، رغم نبوغهم فيها على مستواهم الشخصي.
ليس بالضرورة أن يكون أصحاب الذكاء المنخفض من ذوي الاحتياجات الخاصة, فهذا مصطلح يطلق على من ذكاؤه منخفض بشكل معيق للحياة وبحاجة لمعاملات خاصة في الحياة بشكل عام, يجب أن يحصل على نقاط منخفضة في مقياس السلوك التكيفي, أما في مجال التعليم فيتم مراعاة القدرات المختلفة للبشر, الذكاء درجات عدة وأقل من المتوسط بقليل مازال يعتبر إنسانا طبيعيا ولا يصنف من ذوي الاحتياجات الخاصة ولكنه يواجه صعوبات دراسية وبحاجة لدعم دراسي إضافي وبرنامج خاص ولذا يتم تصميم برامج تعليمية تراعي الاختلافات في القدرات, نحن نتحدث عن من يتم نعتهم بالمدارس بالأغبياء والذين يرسبون في سنوات دراستهم ولكنهم أطفال عاديون يعيشون حياتهم بشكل طبيعي هم ليسوا من ذوي الاحتياجات الخاصة, وإلا فإن ربع المجتمع من ذوي الاحتياجات الخاصة.
بالنسبة لتجاربك فهي معممة علينا جميعا, فنحن جميعا درسنا في المدارس العربية ونعلم جيدا أن بعض المعلمين يتركون الطلاب بالفصل ويخرجون لتبادل أطراف الحديث, وبعضهم يبدأ يعاني من مشاكل عقلية ويصير أضحوكة بالفصل أمام طلابه وهو يقوم بتصرفات غريبة, والبعض يكتب على اللوح الدرس وهو صامت لا يشرح ويطلب من الطلاب الكتابة وراءه, وغيرها من القصص التي لا تنتهي...
ولكن دائما من الملام؟ النظام! لماذا هذه القصص لا يرويها مثلا الطلاب بفنلندا؟ لأن هذه النماذج لاوجود لها هناك, بفضل النظام التعليمي المحكم الذي يبدأ منذ اختيار المعلم الكفؤ ومن تم تعليمه الأسس البيداغوجية التربوية وديداكتيك المادة التي سيدرسها بشكل جيد جدا فيصير يجيد أساليب التربية والتعليم, ثم توفير التكوين المستمر لهذا المعلم على مدار حياته المهنية والعديد من الموارد والدعم اللوجيستيكي, ثم نظام المراقبة بالفصل والتقييم والتتبع لهذا المعلم وما إذا كان يعاني من مشاكل نفسية أو اضطرابات أو أنه متسيب أو لا يقوم بعمله على أكمل وجه وهكذا....
التعليقات