مهما قرأت من نظريات وتفسيرات لا يمكنني التصديق أن هذا الكون (أو الأكوان حسب نظرية عالم ما) قد صنع نفسه.
صراحة أرى أن الاعتقاد بوجود كائن خارق مطلق القوة (حسب وصف بعضكم) أكثر منطقية وصحة. هل يمكن لأحدكم تقديم تفسير مقنع لاعتقادكم هذا؟
أنت تفهم البرهان الكوزمولوجي بشكل خاطئ.
اقرأ عن الـ contingency وعن الـ infinite regress لتفهم ما أعني.
الذي يحتاج لمسبب هو الذي وجد بعد أن لم يكن، الشيء الذي وجوده ليس ضروريا بل يعتمد على وجود مسبق قبله، مثلك أنت، فوجودك ليس ضروريا، أي بمعنى آخر كان يمكن أن يخلو هذا العالم منك، تماما كما أنه من الممكن أن يخلوا العالم من الكرة الأرضية بأسرها فوجودها ليس ضروريا، وإنما يعتمد على شيء آخر، أي لا بد أن تكون قد انفصلت عن نجم أكبر مثلاً كالشمس، والأخيرة بدورها تعتمد في وجودها على وجود مسبق هو الشيء انفصلت عنه، وهكذا.
وبما أن العلم أثبت أن هذا الكون له بداية، فهنا لا بد له من مسبب.
افتراض أزلية العالم مناقضة للعلم، لأنه لو تخيلنا أن عمر الكون 140 مليار سنة فقط (أي عشرة أضعاف عمره الحالي) وليس أزليا، فقط ضاعفنا عمره عدة مرات، لما كان أحدنا يستطيع الكتابة الآن، لأنه في هذا الحالة كنا سنصل إلى ما يسمى بالموت الحراري heat death حسب قوانين الديناميكا الحرارية حيث تكون الطاقة قد توزعت وانتشرت في أرجاء الكون كله بشكل متساو ودخلنا مرحلة السكون التام الأبدي !!!
أنا أفهم مفهوم الارتداد اللانهائي جيّداً.
المشكلة تنشأ عندما تأتي بمفاهيم وافتراضات دينية، فما معنى وجود ضروري تحديداً؟ من الذي يُحدد ضرورة الأشياء، يعني أستنتج من قولك أن كل مافي الوجود باستثناء الله هو الضروري لأنها كلها تحتاج لمُسبب باسثناءه هو صحيح؟ أترى المشكلة؟ أنت تفرض ذلك وتفرض أن الله كان موجود ولا يحتاج لمُسبب فكيف سنُكمل مناقشة البرهان على هذه الحالة؟ قل لي القرآن يفرض وجود الله منذُ البداية وكأنك فعلت نفس الشيء فلماذا ندخل بنقاشات فلسفية؟
لا مُشكلة كما قلت بوجود مسبب، لكن تحديد ماهية المُسبب مُشكلة.
وثم أنت انتقلت بطريقة ما إلى برهان النظم الذي لا يُشكل بدوره دليلاً قاطعاً إنما حجة، تعرف أن بعض المشاكل الطبيعية على الكوكب تُسبب أنواع شتى من الكوارث لا تدع الجميع يُشارك ويكتب بها الموقع فمهوم النظام غير واضح خاصةً عندما لا تملك ولا كون آخر لتُقارن معهُ كما يُشير راسل.
لا، لم أقل هذا.
هناك أشياء أخرى ضرورية مثل الأعداد. وأمور أخرى abstract، هذه لا يمكن أن يخلو منها أي عالم، سوا العالم الواقعي the actual world أو أي عالم ممكن possible world.
المسبب لا بد أن يكون personal agent حتى تكون لديه إرادة ليصنع ما ليس ضروريا، وهذا بالطبع لا ينطبق على الأرقام مثلا!
لذا عرفنا أن المسبب لا بد أن يكون كيان شخصي عاقل (أو بالاصطلاح الإسلامي حكيم) ذو إرادة حرة.
لماذا هذه الحجة صحيحة؟
المسبب لا بد أن يكون personal agent حتى تكون لديه إرادة ليصنع ما ليس ضروريا
لماذا لا يُمكن أن تُصنع بواسطة ماهيات غير عاقلة من دون إرادة؟ ما دليلنا على أننا مخلوقين بإرادة؟ أعتقد أن هذه الفكرة تُغذّيها لديك فكرتين: أننا صنيعة ناجحة يوجد من صنعنا مغزى وبالتالي صانعنا عاقل حكيم بالضرورة والثانية برهان النظم وكيف أننا نفدنا بأعجوبة من عدم تناسق خطير، والفكرة الأولى بسيطة الكثير من البشر يعتبرون أنفسهم حصيلة نواقل عصبية وهرمونات وتفاعلات كيميائية لا أكثر فقد نكون صنيعة عشوائية تماماً من غير مغزى، وثانياً توجد حجة فلسفية مُتعلقة بالياناصيب (نسيت اسمها تماماً) مغزاها أنهُ مهما كان احتمال وجودنا ضئيلاً بشكل لا مُتناهي بالصغر إلا أن الاحتمال هو احتمال ويُمكن أن يكون وقع بشكل عشوائي.
لماذا لا يُمكن أن تُصنع بواسطة ماهيات غير عاقلة من دون إرادة؟
الجواب بسيط جداً. تخيل أن هناك مطبخاً تطبخ فيه زوجتك أو صديقتك، وجئت إليه ووجدت كل شيء تحتاجه، فرن وولاعة وثلاجة ورفوف وشاي وأكواب للشاي وسكر وملاعق وكل شيء، ثم قلت لزوجتك أريد كوب شاي مع قطعتين من السكر، وزوجتك لم تكن في المطبخ، فسوف تمر الساعات والأيام والشهور والسنين إلى الأبد ولم يتم تحضير كوب الشاي الخاص بك! لماذا؟ لأنه لا يوجد عامل ذو إرادة كي يريد أن يجمع كل تلك الأشياء معا ليصنع الشاي، وكوب الشاي المطلوب هذا لن يتم تحضيره أبدا مهما انتظرت وإلى الأبد !! فهذا كله يحتاج إلى كائن لديه وعي وإرادة.
لو جلست مليار سنة تراقب المطبخ فلن يحدث أبداً أن يجتمع الماء والسكر والملاعق وكوب الشاي وكيس الشاي نفسه ليصنعوا لك كوبك المطلوب، مع أن الأمر مجرد كوب، فما بالك بهذا الكون الفسيح أو هذه الحياة المعقدة!
سأقرب لك الفكرة بمثال آخر، تخيل كرة الأرض وهي مليئة بالعناصر الأساسية، أكسجين وهيدروجين (على شكل ماء) ونتروجين وكربون وحديد ومعادن ... الخ، كل هذه المواد العمياء الميتة التي ليس فيها حياة ولا تمتلك وعياً ولا إرادة، بإمكانها البقاء كما هي عليه والمكوث في تلك الحالة إلى أبد الآبدين، لا يوجد أي شيء يمكن أن يجعلها تقرر فجأة أن تتحول من مادة ميتة إلى مادة حية، فما الذي سيجعلها تفكر في ذلك وهي لا تفكر أصلاً!
مثلها مثل المواد الميتة على سطح القمر مثلاً أو عطارد أو زحل. يمكن للصخور الصماء والأرض الجرداء أن تبقى هكذا كما هي عليه إلى فناء الكون. ما الذي سيجعلها فجأة تقرر التحول إلى مادة حية، وكيف يمكنها أصلا فعل ذلك؟
لهذا جميع كتب الأحياء عندما تتحدث عن التطور (والذي أؤمن به بكل تأكيد)، لا تناقش أبداً كيف تحول المادة الميتة إلى حية. هذا موضوع خارج نطاق علم الأحياء المعاصر أصلا، وكل الفرضيات المطروحة لا تصمد أمام المنهج العلمي.
التعليقات