هذا المقال قد يعد ملحقًا للمقالين السابقين، كالعادة المقال لمن هم أكبر من ١٨ عامًا -وكأني سأعرف عمرك- وهو مكتوب للعجائز والشيوخ أمثالي وهم من سيكملونه لنهايته، عمومًا أعتذر عن أي أخطاء نحوية أو إملائية في المقال، ربما يكون أكثر مللًا هذه المرة لذا اربطوا الأحزمة... اكشن!

تحدثنا في المقال الأول بشكل عام وعرضنا لبعض قضايا العصر بشكل سطحي، فلمسنا قانونية هذه الافعال والسيكولوجية خلفها، فعرجنا على ألمانيا وكندا وبعض الحجج الفلسفية ونتائج بحق جوجل

المقال الاول

والمقال الثاني عرضنا فيه لعرض تاريخي - ما قبل تاريخي إن أردنا الدقة- لبعض الدلائل على ممارسة هذا الجنس لدى الشعوب مع بعض التفسيرات، وتعليقات متميزة صراحة جعلتنا نتطرق لمواضيع أجمل، فشكرًا على هذه التعليقات المفيدة، وهذا المقال على الاغلب سننهي به الحديث عن البهيمية ونفتح موضوعًا آخر شائكًا وشيقًا ومجنونًا.

كما تكلمنا في المقالات السابقة بشكل عام، وأقتربنا أحيانًا من العرب، الآن يمكننا أن نقترب كثيرًا من العرب مع بداية العصور الميلادية، ويمكننا مقاربتهم مع أبناء عمومتهم اليهود، وكنا وضحنا في المقالات السابقة أسبابًا عدة تجعل ظاهرة البهيمية، أو الجنس عبر الأنواع ظاهرة طبيعية في كل المجتمعات الحيوانية بل البشرية أيضًا، والمجتمع العربي ليس استثناءً فكما أوضحنا في الجزء الأول أن آراءً فقهية درست هذه القضية منذ بداية الاسلام ونسبت أحاديث للرسول حولها، فكانت الآراء تتراوح بين القتل والعقوبة التعزيزية واللاعقوبة أصلًا، وحرك ذلك من ذهنية العرب الذين فكروا إذا ما كان هذا زنا أم لا، وأدركوا ببساطة أحد اهم اسباب الزوفيليا حتى اليوم، وهي انها ليست زنا، وليس هنالك شريك بشرله حقوق وواجبات وعادات متعبة، هي مجرد ممارسة للجنس، لذا استمر هذا الفعل رغم تحريم أغلبية رجال الدين له، كما استمرت المثلية الجنسية تحت عقلية مشابهة شرحها الجاحظ في كتابه مفاخرة الجواري والغلمان، عندما تحظث صاحب الغلمان عن مميزات الغلمان وكان اهمها التحرر من القيود التي تفرضها عليك العلاقة مع أنثى، فيبدو أن فكرة افراغ الشهوة الجنسية دون قيود سيطرت على الإنسانية منذ قديم الأزل، تلك الرغبة في التحرر من كل القيود ما زالت الدافع للإنسانية حتى الآن، فيرى الإنسان أن تلك القيود أثقلت كاهله وإن لم تثقل كاهل أجداده لأنهم كانوا أتخذوا تلك القيود بدلًا من قيود أثقل منها، فالفكرة العامة المسيطرة والسبب في تغير سقف الحريات والحقوق والنظم الاجتماعية بمرور التاريخ هو أن البشرية تضيق بالقيود التي فرضت على أجدادهم، وهذه القيود تقل بالتدريج بمرور التاريخ، ويبدو أن أول حركات التخلص من القيود الجنسية -بعد الاستمناء- كانت البهيمية.

النكات حول القدرة الجنسية للحيوانات موجودة في كتب العرب وفي ثقافتهم، فالنوادر والطرائف التي تتضمن حيوانات كثيرة في كتب العرب، والتيفاشي من دولة الموحدين في المغرب العربي من أشهر من تكلم في الجنس ونوادره، وكتابه نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب ملئ بالطرائف التي تتضمن حيوانات، وكان مما يتعجب المرؤ لسماعه ما نقله التيفياشي عن انواع المخنثنين أبا جهل، فيبدو أن أبا جهل لم يسلم من العقل الجمعي العربي بعد كل هذه القرون، فربطوا به أقبح ما أمكن أن يصفوه به وهنا يقول لنا التيفاشي في نزهة الالباب فيما لا يوجد في كتاب ص٢٥٦ : مصفر استه فهو أبو جهل، يقال انه كان يردع استه بالزعفران، والمهاجرون ينكرون ذلك...، ويقولن ان أبا جهل إذا هاج ركب بعيره وعدا به ليحك استه بسنامه...إلخ

ولأن رحلتنا في الجنسانية العربية عامة فلا ضرر أن نتوقف قليلًا هنا، فمن تاريخ العرب ندرك أنهم كانوا يلزقون بأعدائهم أسوأ الصفات سواء كانت فيهم أم لم تكن، فبالتالي فكلام العرب عن أعدائهم ليس تأريخًا لإعدائهم وصفاتهم الحقيقية، بل لصورة أعدائهم في نفوسهم، وبالتالي يمكننا الإستدلال من كلامهم عن أعدائهم عن طبيعة العقل العربي في ذلك الوقت، وهذه القصة لا تكفي فقط كشاهد على نوع من الممارسات الجنسية مع الحيوانات، ولكن تكفي لندرك أن العرب حتى في ذروة انفتاحهم الجنسي يبدو أنهم يستنكرون هذه الصفات، يستنكرون -العقل الجمعي العربي لا كل العرب- المخنث أولًا وهذا يتضح منذ عهد الرسول، ويستنكرون ثانيًا الممارسة الجنسية مع حيوان، ولكن هذا الإستهجان لا يدوم، فهو فقط إستهجان عند الحديث عن أعدائهم، ويتحول لمدح في الحياة المعتادة أحيانًا! وفي المقابل ليس لديهم مشكلة مع المثليين جنسيًا بقدر ما عندهم مشكلة مع المخنثين، ومن هنا نستدل على جزء آخر في نفس العربي يتضح لنا كل ما نقرأ في التاريخ، وهو سيطرة فكرة "الذنب" على عقله، فما يفعله في حياته ويقبل بوجوده في حياته وحوله يفعله وشعور الذنب يسيطر عليه، ولا يتضح لنا شعور الذنب هذا الا عندما نجده يعيب ما يفعله هذا على أعدائه، فالعقلية الجنسانية العربية معقدة وتحتاج لدراسة متعمقة، فهي عقلية متوترة وكأنها استيقظت لتجد نفسها في مكان غير مكانها، في زمان غير زمانها، وما زالت هذه العقلية مسيطرة علينا حتى اليوم، فلم يحدث عصر تنوير حقيقي في العالم العربي، كانت محاولات تقتدي بالتجربة الغربية لكن لا نستطيع ان نجد تنويرًا حقيقيًا، فما زالت عقلية المذنب جنسيًا هي السائدة في عالمنا، ونتمنى أن تتغير يومًا.

فمن هذه النوادر ومن قلب كتبنا التراثية نستسقي المعلومات، لا المعلومات عن امم سبقت، بل معلومات عن صورة تلك الامم في تراثنا، ومنها نفهم تراثنا اكثر ونملك مفاتيح عقول من كتبوا هذه الكتب، مصفر استه ليس شخصًا بقدر ما هو رمز، رمز لعفريت من العفاريت التي تلبس العقل العربي.

يذكر التيفاشي قصة أخرى عن رجل استخدم الرازيانج مع هره في صفحة ٢٦٣ من الكتاب السابق، ولكن لا أعده من البهيمية صراحة.

يمكننا الاطلاع على عدة قصص اوروبية من باب زيادة الفهم، ففي قصة كتبت عام ١١٨٨ تحكي احد الطقوس الدينية القديمة في ايرلندا(١) تحكي عن طقوس ممارسة ملك الجنس مع فرس أمام الجمهور التي تُذبح وتُغلى ويستحم بهذا الماء، ثم يأكل الفرس هو وشعبه، ولا يخفى على أحد انه نوع من ممارسات الخصوبة، شيئ آخر وجب التنبيه له والذي سأل عنه أحد الأصدقاء، فممارسات الرجال مع الحيوانات الضخمة كالأحصنة والبقر والغنم أكثر من النساء، بينما ينتشر بين النساء الجنس مع الحيوانات الصغيرة كالكلاب، أو الأحصنة القصيرة كما قال لنا رياض.

وبالنسبة لربى وجدنا قصة من التراث الأوروبي عن فتاة في السادسة عشر من عمرها، قدمت للمحاكمة بتهمة البهيمية مع كلبها، فتعرت أمام كلبها فوجده القضاة يقفز عليها، فحكم عليهم بالاعدام شنقًا ثم الحرق (٢)، وهذه حالة يكون الحيوان فيها راغبًا في الممارسة، وبالإطلاع على عدة كتب تتناول الموضوع لم نجد أن أسباب الممارسات البهيمية قد خرجت عما كتبناه من تحليلات في المقالتين السابقتين، لذا لا أعتقد أن الأعضاء هنا يريدون أن يقرأوا أمثلة من قضايا العصر الأوروبي، ولذلك سنبدأ بعرض قضايا من واقعنا المعاش ونرى إن أمكننا أن نستخرج نمطًا ما.

الكلبة أنستاسيا من مصر

مما لا شك فيه ان الحالة بين أيدينا حدثت نتيجة الفقر والكبت الجنسي، حيث تم تشخيص كلبة وجدها الناس ملقية على الأرض بتهتك في الرحم، نتيجة إغتصاب ٣ شبان لها ثم ادخال عصا في مهبلها أدت لهذا التهتك، والتصرف الأول يمكن أن نفهمه في ضوء الفقر والكبت وعدم القدرة على الجواز، ولكن هذا لا يكفي فمثل تلك التصرفات من الطبيعي ان تحدث مع كائنات أكبر حجمًا، وربما كان ما حدث نوع من أنواع الإنتقام، ولكن ممارسة الجنس مع الكلبة لا تفسير لها في تلك الحالة، فإم أن ننفي الفرضية أو نقبلها بإدخال عوامل الكبت، ورغم أن التفسير هكذا سيظل ضعيف ومريب ولكن يمكن أن نقبله فالعالم أصبح مخيفًا، القصص ليس لديها أي اصل ولكن هي قد تعطينا فكرة عن عقلية المصريين ورؤيتهم لذلك الفعا، فظهر لنا استنكارهم لهذا الفعل بوضوح وفي نفس الوقت ارتبط هذا الاستنكار بعدم قدرة الحيوان على تحمله، فالقصص الاخرى التي ارتبطت بحيوانات كبيرة كالفرس والبقر والغنم فلم تحظى بنفس الشهرة، رغم انها أشيع من ممارسة الجنس مع كلب من قبل ذكر.

يمكننا ملاحظة أيضًا العقل العربي الاستنكاري، الذي رأى استحالة وقوع هذه الممارسة مع كلبة، وهذا ان دل فهو يدل على أن العقل المصري غير متقبل ويعيش منغلقًا فيرفض حتى الواقع، ويحاول تأويله بأي تأويل ليبقي على أمانه الفكري، وهي ملاحظة تستحق دراسة متقدمة.

القانون المصري لا يضم أي مادة تتحدث عن الجنس مع الحيوانات، هنالك قوانين تتحدث عن التسبب في أذى للحيوانات او قتلها، ولكن اذا مارست ممارسة جنسية مع حيوان كما ينتشر في الريف المصري قليلًا فلن يعاقبك القانون على الأغلب، إلا لو تحولت لقضية رأي عام.

حمارة سيدي قاسم من المغرب

في إقليم سيدي قاسم بالمغرب أستيقظ الأهالي على فزع نتيجة أعراض غريبة ظهرت على أبنائهم، فبدأت باكتشاف عائلتين اثار تعفن على طفليهم، فهرعوا إلى المشفى الذي شخصهم بالسعار، ثم توافد ١٥ مراهقًا على المشفى ليشخصوا بنفس الحالة، ويعترفوا بانهم مارسوا الجنس مع حمارة، وقد كانت أعمارهم تتراوح بين ١٠-١٧ ربيعًا، وقُتلت الحمارة وتعالج الصبية، ونُسيت القضية كما العادة.

القضية هذه المرة لم تكشف لأن الحيوان قد تضرر، بل لأن الإنسان قد تضرر، وأُحيطت بحالة تكتم شديدة من الأهالي، وربما يعود ذلك للطبيعة الريفية الكتومة التي تنتشر فيها تلك الممارسات ولكن عادة ما كانت لتُكشف، ولكن سوء الحظ رافقهم، وهذا قد يكون دليلًا على ما ذكرناه من انتشار البهيمية في الأرياف أكثر في عالمنا العربي خاصة والعالم كله عامة، وأسباب هذه الحالة يتفق الجميع على أنها مرحلة البلوغ الجنسي ورغبة المراهق في تفريغ طاقته، ويبدو ان العادة درجت في هذه القرية على تفريغها في الحيوانات الكبيرة كالحمارة والفرس، ويتضح ذلك من تنوع أعمارهم، فلو كانوا عمرًا واحدًا لقلنا ان احدهم ارشدها اليهم وحسب، ولكن أعمارهم المختلفة تؤكد لنا العادة التي درج عليها فتيان هذه القرية من تعليم كل منهم للآخر كيف يصرف تلك "الطاقة"، لا بالإستمناء كما قد يتوقع بعضنا ولكن بالممارسة الجنسية مع الحمير، لا أعتقد أنه هنالك الكثير ليلاحظ في هذه الحالة سوى أن الريف منتشرة فيه هذه العادة منذ أزمان.

لا يوجد في المغرب أيضًا أي قانون عن العلاقة الجنسية مع الحيوانات، هنالك قوانين تعاقب "القسوة" على الحيوانات، ولكن يبدو أنها لا تُطبق على هذه الحالة، فتلك الحالة من الفراغ القانوني المتعلق بهذه الممارسات شائعة في البلدان العربية، ولا نعلم إلى متى سنظل هكذا.

في احد دول جنوب افريقيا قتل ٣ شباب على يد تمساح بعد محاولتهم ممارسة الجنس معه لزيادة الخصوبة وتكبير أعضائهم، وهي أحد انواع طقوس الخصوبة التي كانت موجودة  في مصر القديمة، وربما يرجع استخدام هذا الحيوان الخطير الى رغبة السيطرة عند البشر، فالتمساح لطالما كان من اكثر الحيوانات رهبة عند المصري القديم كفرس النهر، ولكن عندما اكتشف الذكر البشري انه يستطيع إخضاع هذا الحيوان بقلبه على ظهره لم يتمالك نفسه وقرر اكمال طريقة إخضاع هذا الحيوان المسكين وفرض نفسه عليه، ولما ارتبط التمساح بالنهر فكان من السهل ان يربطه بالخصوبة ولما وضعت هزيمة هذا الحيوان في نفس ابن ادم النشوة للسيطرة عليه قرر أن يربط السيطرة على هذا الحيوان بممارسة الجنس معه بزيادة الخصوبة(١)

لا نرى أن هنالك الكثير أو المزيد لنذكره في هذا المجال، فإن كان فهو عرض تأريخي يمكن لكاتب أو باحث إن يكتبه، ولكنه لن يدخل في الجنسانية التي نبحث عنها في هذه السلسلة، فيمكنني أن أقص عليك قصص الأولين، وأحكي لك عن الحضارات، وأن أحكي لك كيف تفاعلت الكنيسة مع هذا كله، ولكن أعتقد أنه من هذه المقالات أنك اطلعت على ما يكفي من الروح البشرية والعقل البشرية لتتوقع بالفعل ما حدث على مدار التاريخ، لذا سنوقف الحديث عن البهيمية هنا لنتحدث في المقال القادم عن الملائكة، لا الملائكة في السماء، بل أولئك الذين يسيرون بيننا، براءتهم وضحكاتهم تدهش الجميع، ولكن إلى أي حد تكون هذه الدهشة؟


١- pleasure's all mine page 186

٢-Case quoted in Midas Dekkers, Dearest Pet: On Bestiality (London, 1994), p. 121.