هذه التجربة تعتبر من أكثر التجارب إثارة لي على الإطلاق .. تجربة إعادة قراءة شيء قرأته قديمًا وأنا بعد طفل أو مراهق.
منذ شهرين تقريبًا نجحت ابنتي في تجاوز الصف الثالث الابتدائي بامتياز. فتوجب عليّ شراء هدية لها. كنت قد اتفقت مع زوجتي منذ فترة أن تكون 70% من هدايانا لأبنائنا في تلك المرحلة عبارة عن كتب وأدوات لاكتساب المعرفة.
استقر رأيي على شراء مجموعة مغامرات (تان تان Tin Tin).
أتعرف تلك المغامرات المصورة الرائعة للصحفي الشاب الذي تصحبه المشاكل أينما حلّ؟ تلك التي يرسمها الفنان البلجيكي العبقري هيرجيه؟ ذلك الشاب الأشقر الشعر ذي الخصلة البارزة في رأسه.
كنت قد قرأت واحدة منها وأنا صغير، ولكن ارتفاع سعرها – مقارنة بأسعار مجلات ميكي – وقلة طبعاتها حال دون شرائي المزيد منها في ذلك الحين. فقررت الآن أن أهديها لابنتي (في الظاهر) ولكني في الواقع كنت أبطن حنيني واشتياقي لها، مضمرًا نية قراءتها معها.
وبالفعل اشتريت المجموعة كاملة (المتاحة باللغة العربية، وعددها 17 عدد) ولانشغالي الشديد قرأت العدد الأول والثاني المتاحان باللغة العربية (تان تان وعصابات شيكاغو) و(تان تان وزهرة اللوتس الزرقاء).
في الواقع هيرجيه هذا فنان عبقري .. بل ربما عبقري قل أن نجد مثله الآن. فبلغة حقبة ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين يسخر هيرجيه من الكثير من القوانين والممارسات العنصرية ضد الإنسان في كل المجتمعات.
فيثور تان تان لصالح زنجي أسود اللون في أمريكا، ولصالح صيني فقير في الصين المحتلة من اليابانيين، ويسخر من الإجراءات الحكومية المتعنتة، والكثير من الأمور التي مازال الاعتراض عليها قائمًا حتى يومنا هذا. مازلت بعد في بدايات العدد الثالث (تان تان والجزيرة السوداء) ولكني أدرك أنني سأجد الكثير من المفاجآت الخفية في القصة، مما لم ألحظه وأنا في عمر ابنتي. لقد قامت دار المعارف بترجمة وجلب جميع أعداد تان تان ماعدا بعض الأعداد التي رفضها النظام الاشتراكي القائم حينذاك، مثل تان تان في أرض السوفييت، والتي حتمًا كان سيسخر فيها من الكثير من الممارسات الشيوعية ضد البشر هناك، وهو بالتأكيد كان مرفوضًا عن الإدارة المصرية وقتها.
يتطور الأمر مع الروايات المشهورة، فأتعرض لرواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، ورواية أخرى لا أتذكر اسمها ليوسف السباعي، بل حتى مؤلفات نبيل فاروق المثيرة، وروايات د. أحمد خالد توفيق العميقة، المليئة بالمعلومات، طعمها الآن يختلف بعد أن بلغت العقد الرابع من العمر.
نعم .. يختلف الوعي الآن عما كان قبل ذلك، وأنا بعد صغير.
بل يختلف حجم الإدراك، وكم المعلومات، بل وتختلف حتى المشاعر والأحاسيس المصاحبة للقراءة. هي تجربة مثيرة بكل المعاني.
التعليقات