حاء هاء ميم، لا أريد أن أعرف أيّ معنى للكلمات ولا للحروف، لا أريد أن أكتب، أريد أن أبكي وأختبئ في داخلي، أريد أن ألمس زجاجة عطر فتنفجر مثل قنبلة، وأصبح غريقا للعطور أبديا، وأستسلم للموسيقى وأدخّن هذا العذاب اللذيذ.. ما حاجتي إلى أن أكتب، وما حاجة هذا المريد اللعين في داخلي الذي يستمر يضايقني، يقول لي أكتب أكتب.. ينطق عنّي، يظلّ يتحدّث، أقول له ما جدوى الكلام.. فيرد عليّ ببديهته السريعة: وما جدوى السكوت، هل أنت بطّة تطفو على الماء؟

عمّا أكتب ولما أكتب والعالم كلّه يحمل كلّ هذا البؤس والملل، العالم بدون وجه، بدون حقيقة، بدون قلب، العالم وحش مفترس جائع.. وأنا مسلوب حياة دون تعمّد.. أنا عمود كهرباء منطفئ يقف في الزاوية، ثم لماذا أخبرتني أمّي أنّ عزفي على الجيتار مزعج ويُحدث فوضى؟ لقد آلمني ذلك كثيرا.. وبأيّ حق فارقني الجيتار، لماذا لم تشتري لي حبيبتي كمانا في عيد ميلادي العشرين؟ فلما أكتب ولمن؟ هل أكتب لألوّن وجه العالم والعالم بلا وجه؟ هل أكتب لأكذب وأخبركم كم أنّ الحياة رائعة وتستحق أن تُعاش، وأرفق نصي بصورة لي أبدو فيها مبتسما، وأقول "عش بالأمل، وقدّر قيمة الحياة.."، أنا لا أفعل ذلك أبدا حتّى مع نفسي، وأعرف أنّ الحياة عديمة قيمة، بلا معنى.. وكانت قد يكون لها معنى ربّما لو أنّ التي لا تلبس حجابا لا يجب أن تسمى "قحبة"، والتي تلبس جلبابا منافقة، والتي تتعرّى مأواها في النار.. سأكتب عندما يتوقف أصبع الاتهام بالاشارة إلى المجانين والسخرية منهم، عندما يعلن الإمام توقيف الصلاة إلى أجل غير مسمى ونلتف بالأرامل والأيامى والحيارى، يقهر قلبي في كل يوم أرى فيه حسناء سورية تشعر بالذل تمد يدها وتستحي، فينقبض قلبي وأتراجع لأعيد الصلاة، وأدعو الله: إلهي قُل لها أن تهز بجذع النخلة وأسقط عليها رُطبا جنيّا!

أنا متمدّد في الأرض وليس لديّ غطاء، وأريد أن أنام وليس عندي نعاس، أنا مسلوب، أنا بلا حياة.. وعندي أنا ولا تقربني أبدا.. لأنني عندما أحاول أن أقول شيئا جميلا أجد خلفي كومة هراء عظيمة!

أخبرني أنت.. لماذا قد تكتب؟ هل بإمكانك تزيين ملامح عالم بلا وجه؟