"يمكنني أن أرتكب أشد الجرائم، إلا أن أكون أباً"

هذا إقتباس لفكرة بسيطة من كتاب كنتُ أقرأهُ بالآونة الآخيرة، اسمه مثالب الولادة للفيلسوف العدمي إميل سيوران والمعروف بموقفه المُعادي للإنجاب. الكتاب مليئ بالأفكار العدمية والتشاؤمية واللإنجابية وهو ما دفعني لطرح هذا الموضوع، على الرغم من أنني لم أفكر سابقاً بكتابة أي شيء حول هذه الفكرة كونها مُكررة، لكن مع شحّ المواضيع في حسوب قد يكون مفيداً، ولا بأس بسماع آراء جديدة دائماً.

أُلاحظ بشكل عام وجود نوعين من رافضي الإنجاب، فئة تكتفي برفض الإنجاب لأسباب شخصية مُختلفة ولا تتدخل بقرار من يريد الإنجاب، وفئة أُخرى تُندد به صباحاً مساءً وتعتبره عمل لاأخلاقي، وأحياناً جريمة بشعة مثل إيميل سيوران وديفيد بيناتر وغيرهم وهذا الموقف لا أُحبّذه، وقد أكتب موضوعاً منفصلاً عنه.

شخصياً، لا أُريد الإنجاب، وعلى عكس الكثير من الأفكار، أجد أنني متأكد من قراري تماماً بهذه المسألة، لكن رغم ذلك لا أتفق مع من يهاجم مؤيدي الإنجاب ويعتبر الأمر جريمة أو فعل لاأخلاقي، وأحياناً أجده غير منطقياً بالمرّة لذلك أُصنّف نفسي مع الفئة الأولى وأحترم حرية أي شخص بالموضوع، لكن كون هذا الموضوع يسبب حساسية زائدة لدى البعض، أريد أن أنوّه أنني سأذكر بعض الأسباب لعدم الإنجاب، وهي وجهات نظر فقط لا أفرضها على أحد -ولا أعرف كيف يمكنني ذلك أصلاً- ولا يهمّني نقلها لأحد، أنا فقط أناقشها بموقع مُخصص للنقاش.

المُعاناة الوجودية:

لربما أكثر سبب يدفع رافضي الإنجاب لتبنّي هذه الفكرة هو المعاناة الوجودية، وخاصةً عند اللادينيين، فسواءً كُنت تقول أن هذا العالم مليءٌ بالشر، أو أن هذا ليس شرّاً بل امتحان ستكافئ عليه بالنهاية، أو ترى أنه لا بُدّ من وجود هذه الصعوبات للإحساس بالسعادة من جهة أخرى، أو لا يوجد بالأصل مشكلة لديك مع هذا الألم بل حتى أنك تسعد به، بكل الأحوال أعتقد أننا نتفق كُلّنا على أن الحياة بشكل عام تحتاج لجهد كبير جداً للإستمرار، ومعرفتك بوجود فكرة جوهرية وراء كل هذا قد يُعينك على الجهد المبذول ويصبرك على تحمّل هذه المرحلة، لكن المشاكل تبدأ عند غياب هذا المعنى لديك، فعندها سيكون من الصعب جداً عليك أن تفهم لمَ قد تُشرك شخصاً آخراً بهذه المهزلة! لا نعرف إن كان للحياة معنى أم لا، لكن ما نعرفه أننا نبحث عن معنى لها ونُقابل بصمت دون أي إشارة لوجود أي معنى وبالتالي لا يوجد معنى لحد الآن، وتبدأ المعاناة الوجودية عند التفكير بمعنى وغاية كل هذا دون تلقي أجوبة، وصعوبة هذه المعاناة تكمن بأنها دائمة ولن ترحل برحيل الظروف الصعبة، لكن من المؤكد أنها ستزداد عند ازدياد ضغوط الحياة.

الظروف المعيشية والبيئة المُحيطة:

تُشكّل الظروف المعيشية لدى الكثيرين سبباً رئيساً لعدم الإنجاب، وهذا يشترك الجميع به على خلاف معتقداتهم، وأجد أنه أمر طبيعي جداً بهذه المنطقة من العالم المليئة بالفقر والعنف والظلم، وأيضاً بعالم مليئ بالمآسي والحروب والأوبئة، فأينما كان الإنسان فهو دائماً على بعد خطوة واحدة من الإنهيار كما قال نيتشه على ما أعتقد، لكن لربما يُحاول أن يُقلل إحتمالاته بالهروب لمكان أفضل. شخصياً هذا سبب مهم جداً بالنسبة لي، لكنه ليس الأساسي بوجود السبب الأول.

فكرة الإنجاب المُجرّدة:

أعتقد دائماً أنني حتى لو بمرحلة ما من حياتي تجاوزتُ اوّل عقبتين، يبقى الموضوع غير مُستحبّ بالنسبة لي، لا أُحبّذ فكرة إنجاب شخص يكون تحت رعايتي دائماً وأن ألتزم به لحد يجعلني ربما أقضي على طموحاتي من أجله أو أجلها، أعرف أنه يوجد مئات الأمثلة على أشخاص ناجحين لديهم أطفال، لكن شخصياً لا أرتاح للفكرة، وأتمنى ألا يأتي اليوم الذي أُجبر فيه على إنجاب شخص لا أرغب فيه.

إن كُنتَ قد أنجبتَ أو تريد الإنجاب، فما هي دوافعك لذلك؟ وهل لديكَ أسباب شخصية تدفعك للإنجاب إلى جانب دافعك الديني بحال كان هو الدافع الأساسي؟