رغم ان هذا السؤال لم يعد يمثل محوراً مهماً في التفكير الجمعي العربي حالياً ، بعد ان كان يعتبر السؤال الأهم على الإطلاق تقريباً في فتـرة الخمسينات والستينات - مرحلة التحرير الوطني والعروبية وبدء ارهاصات المشروع الاسلامي - .. إلا أن ما يحدث الآن في العالم العربي يعيد هذا السؤال مرة اخرى بلا شك ..
هل انت وطني .. أم قومي .. ام أممي ؟
بمعنى ، هل أنت وطني تقدم مصلحة وطنك الخاص ( مصر ، الجزائر ، المغرب ، سوريا ، الكويت ، الخ .. ) عن أي مصلحة أخرى لها امتدادات عربية وإسلامية ؟
أم أنك قومي ، ترى أن وطنك وقوّته هو جزء من كيان أكبر اسمه الوطن العربي ..
أم أنك اممي ، ترى أن وطنك جزء صغيـر من أمة ضخمـة اسمها العالم الاسلامي ؟
وتقبل التنازلات في كل الحالات ؟
====
احياناً تبدو هذا السؤال بسيطاً إذا نظرت له من زاوية سطحية .. ولكنه في الواقع يحمل الكثير من المشكلات التي تبدد الصورة المثالية التي يرسمها البعض ، عندما يقولون :
ما المشكلة أن اكون وطني وقومي واممي في نفس الوقت ؟ .. ما المشكلة أن اكون مغربيا ، وعربيا ، ومسلمـاً في نفس الوقت ؟
نظرياً ، لا مشكلة .. هذه وجهـة مثالية تماماً المفترض اننا جميعاً نعيش بها ..
ولكن في الواقع ، الأمر يحمل تفاصيل عميقة ..
هل تقبـل كمغربي ان تتنازل عن جزء من الأرض المغربية ، لدواعي قومية ( ان الأرض ستذهب لدولة عربية أخرى فلا مشكلة ) ، طالما نحن جميعاً في اطار مظلة عربية موحدة بأي صيغة ؟
وأيضاً ، هل تقبل كمصري أن ترسل مصر جيشاً كبيراً لتحرير دولة عربية محتلة ، بشكل يؤثر على حياتك الشخصية انت بنفسك - اقتصادياً واجتماعياً - ؟
هل تقبـل كمصري مثلاً أن تتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة السعودية - في حالة كنت تعتقد جازماً انهما مصريتان - ، بإعتبار انهما في النهاية ستذهبان لدولة عربية ( إسلامية ) شقيقة ..
أو العكــس .. أن تقبل كسعودي ان تتنازل عن تيران وصنافير لمصر - في حالة كنت تعتقد انهما سعوديتان - ، بإعتبار انهما في النهاية ستذهبان لدولة عربية اسلامية شقيقة ؟
باختصار .. هل انت تميل الى الدولة القُطـريّة ( دولة وطنية تدافع عن نفسها ، ولكن لا علاقة لها بمحيطها الخارجي طالما لا يتهدد أمنها القومي مباشرة ) .. ام الدولة القومية المنفتحة في المزايا والتنازلات على جيرانها ؟
===
الأمر يصبح أكثر تعقيداً لو تم سحبها الى منطقة الاممية الإسلامية .. في حالة الخلافة مثلاً ، لا فرق بين أن تكون قطعـة ارض تابعة للجزائر أو تابعة للنيجر .. كلاهما مسلمتان ، فقط يتم تحديدهما وفقاً للمنظور الاممي العام .. الدولتان في النهاية هي مجرّد مناطق تابعة لجسم كبيـر اسمه الاممية الاسلامية..
وبالتالي ، خيرات وموارد الجزائر تذهب للمواطن المسلم في ماليزيا أيضاً ..
إذن ، بعيداً عن المثاليات .. نحن كلنا ننتمى لأوطاننا وقومياتنا وامتنا الإسلامية.. كلنا وطنيّون وقوميون وأمميون ..
ولكن ، تميـل لأي تيّـار بشكل أكبر ، في تعاطيك مع نظرتك السياسية للإتجاهات الثلاثة ؟
===
ملحوظة :
أسهبت في شرح أمثلة ونماذج حتى أوضّح الفكـرة بعيداً عن الحالة المثالية المعتادة ، بأننا كلنا عرب ومسلمون واخوة .. هي كليشيهات مكررة طوال الوقت كلنا نعرفها ونؤمن بها .. وجودك أصلاً على I/O الذي يحمل عدد كبير من الجنسيات العربية يثبت ذلك .. فلا داعي لتبسيط معنى السؤال الى هذا المستوى ..
ولكن أتحدث هنا عن نماذج وأمثلة في ظل واقع اقتصادي واجتماعي وسياسي نعرفه جميعاً في كل دولة عربية على حدة ، أو على مستوى الازمات الثنائية أو الاقليمية بين الدول العربية والاسلامية..
التعليقات