هناك أناسٌ لا يعرفون معنى الصحبة، ولا يقدّرون عيشًا شاركوه، ولا ملحًا ذاقوه مع غيرهم.

يعرفونك في الخير، ويؤذونك عند أول خلاف.

يبتسمون في وجهك، ثم يغتابونك في ظهرك، وكأن المعروف شيء يُمحى بكلمة، أو العِشرة تُنسى بنزوة غضب

من أقسى ما يمرّ به الإنسان أن يتلقّى الأذى ممن شاركوه تفاصيل الحياة، ممن جلسوا معه على مائدة واحدة، وتقاسموا معه أفراحه وأحزانه. فالغريب إن أساء… سهل تجاهله، أمّا القريب والصديق فطعنتُه أعمق، وأثرها أطول.

لقد صار بعض الناس لا يتورّعون عن الغيبة والتشويه والإساءة، حتى لمن أحسن إليهم، وكأنّ دفءَ العِشرة يُنسى بلحظة، ويُمحى الجميل عند أول خلاف. ترى الواحد منهم يتحدّث بما لا يعلم، ويقذف بما لا يليق، ويُحمّل الآخرين ما لم يقولوه وما لم يفعلوه، غير مبالٍ بوجعهم ولا بأثر كلماته.

وما يؤلم أكثر أنّ هذا النوع من الناس يظنّ نفسه على حق، ويُلبس أفعاله ثوب البراءة، مع أنّ الشرع والعقل والإنسانية تتفق على أنّ الغيبة خيانة، وتشويه السمعة ظلم، والافتراء من أقبح ما يمكن للمرء أن يقترفه.

إنّ العلاقات الحقيقية تقوم على الصدق والستر والوفاء، لا على الغدر عند أول خلاف. ومن عرف قيمة الأخلاق لا يسمح لنفسه أن يُسقط غيره ليرفع نفسه، ولا أن يطعن فيمن أحسن إليه.

وفي نهاية الأمر، يبقى المبدأ ثابتًا:

كلُّ نفسٍ بما كسبت رهينة، والقلوب النقية لا تُهزم… حتى لو خذلها أقرب الناس.