في يوم قريب، كنت جالسة أنا وأحد أقرب الرفاق إلي. تحدثنا مطولًا عن مواضيع مختلفة، وانتهى بنا الحديث إلى مناقشة قيمة المال. تركت كلماته أثرًا عميقًا في داخلي، حتى أنني وجدت نفسي بعد فترة أسترجع ما قاله مرارًا، كأن حديثه كان بذرة زرعت في عقلي وبدأت تنبت ببطء. دفعني الفضول حينها لأن أطرح سؤالًا بسيطًا على أسرتي: ما هي أغلى الأشياء التي تملكونها؟ كنت أبحث عن إجابات تروي عطش تفكيري الذي لم يهدأ.
اختلفت الإجابات بين من قال إن العائلة هي الأغلى، ومن رأى أن الصحة هي الثروة الحقيقية، ومن أكد أن الإيمان والإسلام هما أعظم ما يملك الإنسان. وقفت أمام هذه الردود أفكر بعمق، حتى تبلورت داخلي حقيقة واضحة كالشمس: المال يشتري الأشياء الرخيصة فقط، مهما بلغت قيمتها الملايين. يمكنه شراء البيوت الفخمة والسيارات الفارهة، لكنه أبدًا لا يستطيع شراء دفء العائلة، ولا راحة القلب، ولا نعمة الإيمان،حتى أولئك الذين يتقربون إليك فقط لأنك تملك المال، ليسوا بشرًا حقيقيين بالمعنى الإنساني للكلمة. هم أشبه بظلال تتبعك ما دمت تشرق بالمال، ثم تتبخر من حولك حين تغرب. وجودهم هش ومشروط، لا يعبر عن مودة صادقة ولا عن وفاء حقيقي.
تعلمت من هذه الرحلة الصغيرة في أعماق التفكير أن المال خادم جيد لكنه سيد قاسٍ، وأن الغنى الحقيقي لا يقاس بما في الجيوب، بل بما في القلوب. الغنى أن تجد قلبًا يحبك بلا شروط، وصحة تسندك حين تتعب، وإيمانًا يضيء لك الطريق حين تظلم الدروب. وفي نهاية المطاف، أدركت أن أجمل الأشياء في هذه الحياة لا تُشترى ولا تُباع، بل تُمنح هدية من السماء لمن عرف كيف يراها بقلبه قبل عينيه.
التعليقات