الهدوء يدعم السرعة
كلامٌ غريب، ويبدو للوهلة الأولى متناقضًا، إلا أنه واقعي تمامًا وفق تجاربي وتجارب بعض المحيطين بي من وجهة نظري الخاصة، فالبعض يتوتر بشكل مبالغ فيه حين يُطلب منهم تنفيذ العديد من المهام في وقت قصير، ورغم الجهد الذي يبذلونه في أداء تلك المهام بأقصى سرعة لديهم، يتأخرون عن التسليم في الموعد المحدد في كل مرة، وذلك ليس بسبب كثرة المهام فقط، بل بسبب دوامة التوتر التي تمنع الإنسان من التفكير بشكل صحيح.
فبمجرد دخول تلك الدوامة، يختفي إحساس الإنسان بالوقت، ويضطر إلى أن ينظر إلى الساعة كل دقيقة لكي يتأكد أنه لم يبلغ حد التأخير بعد، ومع تراكم الأفكار في عقله، تنزلق قدمه إلى حفرة الحيرة والتشتت والتشكي، ويمر الوقت دون أي إنجاز حقيقي، بينما يتمكن الذين يعتادون على العمل ضمن نطاق زمني ضيق من إنهاء كافة أعمالهم قبل حد التسليم، مما يذهل الآخرين ويحفزهم على اتهامهم بالغش أو استخدام أدوات غير مصرح بها.
مهارة العمل تحت الضغط
والحقيقة أن العمل ضمن إطار زمني محدود هو في حد ذاته مهارة تحتاج إلى تمرين مستمر، لأن النفس البشرية تميل إلى الشعور بالتهديد عندما لا يُتاح لها الوقت الكافي لإنهاء ما طُلب منها أو ما يُفترض بها القيام به، ورثنا ذلك من أجدادنا الذين كانت حياتهم تعتمد على الهرب من المفترسات، ففي سباق الثانية قد تُنقذ حياتك وحياة أفراد قبيلتك.
لكن مع تطور المجتمعات، لم نعد بحاجة إلى الشعور بالتهديد عندما يطلب منا المدير أن ننهي أعمالنا قبل المساء، أو عندما يطلب منا العميل تسليم المشروع خلال بضعة ساعات، لأن العميل لن يأكلنا أحياءً، وأسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن نخسر بعض المال، فلا يوجد داعٍ للهلع أو التوتر.
طور صورتك الذاتية
لكن لكي نقاوم هذا الشعور الفطري، يجب أن نعزز نظرتنا لأنفسنا في البداية، فبذرة الشك التي تصل إلى قلبك وعقلك وتجعلك تفكر في سيناريوهات غير واقعية حول التأخير في تسليم العمل، هي السبب الأساسي في هذا الشعور، فجدك كان يتخيل شكله وهو في معدة هذا المخلوق المفترس قبل أن يضخ دماغه الأدرينالين في عضلاته ويشعل فتيل سرعته وينطلق كالبرق.
ويكون تعزيز صورة النفس من خلال الموازنة بين تقبل الخسارة والفشل والتعلم منهما، وبين الثقة في القدرات الشخصية وإمكانية إتمام كافة المهام في الوقت المناسب، حتى لو لم يحدث ذلك حقًا، فلكل جواد كبوة، ولأجل القيام بذلك يجب عليك أن تتحكم في حوارك الداخلي، وتوجهه من خلال استحضار إنجازاتك السابقة وإمكانياتك، أو كم الصعوبات التي تجاوزتها من قبل، لموازنة الشكوك والتصورات المخيفة التي بدأت تجتاح ذهنك.
تحكم في قلبك وفي جسدك
وبعدها، عليك أن تتحكم في أنفاسك، فالتنفس مفتاح القلب، وبه يمكن خفض خفقانه أو رفعه على حسب المجهود الذي تنوي أن تبذله، فإن أردت التركيز، فتنفس بعمق حتى يصل الأكسجين إلى دماغك ويحفز خلاياه على العمل، وتأكد أنك لست جائعًا أو غاضبًا أو متعبًا ولا تشعر بالوحدة، لأن هؤلاء الأربعة هم فرسان النهاية الذين يقضون على أي نشاط قبل أن يبدأ.
وهكذا كلما سيطرت على انفعالاتك وحافظت على هدوئك، كلما زاد تركيزك على المهام المطلوبة منك، وتناغمت بشكل أفضل مع إحساسك بالوقت، مما يسرع من أدائك دون أن تلمس ذلك، إلا عندما تنتهي من العمل وتجد أنك ما زلت تمتلك متسعًا من الوقت للمراجعة والتحقق، وهي لحظة من الجنة.
البقاء في حالة تركيز
وهذا لأننا كلما ركزنا على التهديد، تلاشى تواصلنا مع الواقع من حولنا، وتمحورت أفكارنا حول المشكلة التي نواجهها، والتصورات البشعة من حولها، وهذه الطريقة في التفكير لا تدع مجالًا للتحليل والتفكير الإبداعي والنقدي لكي يتدخل ويحاول أن يجد حلولًا أسرع من الطرق التقليدية، وهذا يؤدي إلى التصرف بعشوائية وإضاعة المزيد من الوقت والجهد في الخوف والقلق والتفكير المفرط.
بينما في حالة الحفاظ على الهدوء، ومقاومة التصورات السلبية، وموازنتها بالثقة في النفس، فإنك في هذه الحالة تحرر عقلك من قيود الأدرينالين المكممة لإمكانياته، وتساعده على قياس وتحليل الموقف بشكل مناسب، لإيجاد مخرج من المشكلة بشكل يسمح بإنهاء العمل في إطار الوقت المتاح.
لذا، ففي المرة القادمة التي تُوضع لك فيها حدود ضيقة، لا تهرع واعتبر نفسك في متاهة، وحاول إيجاد الحل بهدوء.
التعليقات