إن أي مجال في عالمنا لا بد ان يرتكز على ثلاثة أساسات مهمة، يشكل كل أساس منهم جانب من جوانب هذا المجال، وتلك الجوانب كالتالي:

الجانب المعرفي والإدراكي:

وهو الجانب الذي يشكل المعرفة المكتسبة الخاصة بهذا المجال، من معلومات وقواعد ومبادئ ونصائح وغيره.

الجانب المهاري السلوكي:

وهو الجانب الخاص بالخبرة العملية والمهارات والتقنيات الخاصة بالمجال.

الجانب الفني التذوقي:

وهو الخاص بالجانب البصمة الشخصية والإبداع والإتقان والابتكار وهكذا.

وسوف تجد تلك الركائز الثلاثة موجودة في كل المجالات سواء عملية أو رياضية أو فنية، ولكنها تتجسد بشكل واضح في المجالات الفنية، حيث إن الإنتاج الفني يعتبر أوضح مظاهر انصهار المعرفة والخبرة مع الذوق الرفيع.

وبناءاً على ذلك نستطيع أن نستنتج بأن لكل فنان طريقة مميزة في التفكير، طريقة ترتكز أيضا على ثلاثة أدوار يتقمصها الفنان كل دور على حسب المرحلة التي هو فيها من مراحل إنتاج فنه.

وهذة الأدوار الثلاثة هي:

دور المبدع:

هو الدور الذي يلعبه الفنان لكي يخرج من خلاله عن المألوف، ويأتي بما لم يسبقه أحد إليه، عن طريق دمج مجموعة من الأفكار والأنماط مع بعضها وتحليلها بطريقة تصنع نمط جديد فريد من نوعه، ولذلك فإن دور المبدع مهم في بداية إنتاج العمل الفني، عند البحث عن فكرة، فالتفكير التقليدي المنظم لن يُخرج أي افكار غير تقليدية، ولذلك فالمبدع يعتبر هو منبع الأفكار.

دور الناقد:

وهو الدور الذي يلعبه الفنان وهو يحاول تقييم أفكاره وتحليل الأخطاء والمشاكل ومحاولة حلها، لأن دور الناقد يتركز على طريقة تفكير منطقية منظمة، ويركز على التفاصيل، وعلى دراسة الحالة الفنية، وهو دور صعب، إلا أن نتائجه دائمًا عظيمة، وبدونه قد يخرج العمل سطحياً، أو غير متقن، ولهذا يعتبر هذا الدور محلل الأفكار.

دور المنسق:

وهو دور يهتم بالشكليات والجماليات وطريقة العرض وأسلوبه وطبيعة الظروف المحيطة به، فهو يحاول أن يجعل عرضه دائماً هو الأفضل، وهو مغرق في التفاصيل الشكلية والفنيات البسيطة، لذلك فهو يسمى محسن للأفكار.

وعلى ما سبق يتضح بأن الفنان يفكر بأكثر من عقل، وهو يعمل على مشروعه، ولا أقصد هنا فقط المشاريع الجمالية الفنية، كالوحات والافلام، بل كل من يعمل في أي مجال ويصل فيه إلى أي مستوى إبداعي أو متميز، فهو قد مر بكل تلك الأدوار أثناء عمله، فقد رأيت مرة طبيباً خيط جرحا في يد صديقي بمحاذاة خطوط راحة اليد الطبيعية، لكي لا يلاحظ أحد الخياطة على كفه، فهذا فنان دون أي شك.

ولكن المشكلة التي يعاني منها أي فنان أثناء ممارستة لفنه، في أي مجال والتي تمنعه من الخروج بحلول إبداعية متميزة:

هي الخلط بين الثلاث عقليات:

فإن لعب دور المبدع لابد له ألا يدخل معه الناقد أو المنسق، لكي لا يشتته أثناء البحث عن أفكار، وهكذا إذا لعب دور الناقد أو المنسق لا يجب عليه أن يدخل معهما أيا من الأدوار الثانية، لأن هذا يصنع نوع من التشويش والارتباك، الذي يمنع من التركيز والإنجاز، فالناقد يعدل على كل كلمة قبل أن يكتبها المبدع، والمنسق يريدها أن تكتب بأفضل شكل،ولن يتمكن أحد منهم من العمل في وجود الآخر.

لذلك فمن المهم لأي فنان في أي مجال أن يقوم بالفصل بين تلك الادوار، وأن يلعب كل دور منهم منفرداً، في وقت خاص به، ويفصل بينهم بأوقات راحة، تساعده على هضم نتائج كل جلسة عمل على حدى والتفكير فيها بعمق، ليتمكن كل دور من إنهاء مهمته بالشكل المطلوب وليخرج بعدها العمل الإبداعي للنور وهو تحفة فنية.