أثناء دراستي للعلوم الإنسانية بشكل عام، والفلسفة بشكل خاص، لفتت نظري حالة الرفض والريبة التي نتعامل بها مع معظم المصطلحات الفلسفية، إن لم يكن مع الفلسفة من الأساس!..
فكلما درسنا مصطلح أو نظرية فلسفية ما، وجدنا النقد المجهز مسبقا لتقويضها، مما جعلني أتسائل، لماذا نقحم أنفسنا كمجتمعات محافظة بداخل تلك النظريات الفلسفية ـ ابنة بيئتها ومجتمعاتها الغربية ـ من الأساس؟!
فمثلا، من أكثر المصطلحات التي هوجمت بمجتمعاتنا العربية، تأتي "النسوية" و "الوجودية"؛ ولا يكاد يخلو ذكرهما، من الذم والتبرء من التعاطف مع أي من مبادئهما...
لكن هل جربنا من قبل، النظر إليهما على أنهما ظهرتا بالأساس كردة فعل طبيعية، لظروف اجتماعية وفكرية استحال التعايش معها آنذاك؟!
وأنهما وغيرهما من النظريات الفكرية، لم يتم إعدادهما خصيصا، لهدم مجتمعاتنا ومعتقداتنا..
ـ فالنسوية مثلا، قد ظهرت في الغرب في أواخر القرن التاسع عشر، كرد فعل على نظام بطريركي أبوي رسخ للثقافات السائدة التي حملت صورة سلبية عن المرأة، الأمر الذي انعكس في واقع اجتماعي محتقن بالتمييز ضد المرأة والتقليل من شأنها وإهدار حقوقها.
ـ الوجودية كذلك، غالبا ما تُعد ثورة، ضد فلسفة أوروبا التقليدية التي وصلت ذروتها لدى الفلاسفة الألمان (كانط، فلهلم، هيجل) الذين مالوا إلى اعتبار الفلسفة علماً، وحاولوا أن يضعوا مبادئ المعرفة الموضوعية الصحيحة بصفة عامة ومؤكدة، في حين رأى الوجوديون أن المعرفة الموضوعية العامة والأكيدة لا يمكن الوصول إليها، وأكدوا على أن كل فرد، هو في النهاية كائن بشري محدود، لا يمكنه بلوغ الحقيقة الكلية.
وبعد ذلك، يسعى البعض جاهدا؛ لجلب تلك القوالب والنظريات الفكرية، بل ومحاولة تطبيقها بشكل جامد على مجتمعاتنا، وظروفنا الثقافية الخاصة، ومن ثم نأخذ في لعنها ولعن من أنشأها!!
فطبيعي أن تكن النتيجة كما نراها الآن، وهي شيطنة معظم المصطلحات، وتحميلها مدلولات لم تكن أبدا في الحسبان..
فمتى سنراعي خصوصياتنا الثقافية والاجتماعية والدينية، عند تناول مثل هذه النظريات، مع عدم استئصالها من بيئتها ومحيطيها التاريخي والثقافي الأصليين؛ حتى لا نحمّل عقولنا بما لا يسمن ولا يغني من جوع فكري!
شاركوني بآرائكم في هذه القضية.. هل يصلح توطين المصطلحات والنظريات الغربية بمجتمعاتنا، دونما نقد ثقافي لها؟.. وما هو أكثر مصطلح ثقافي سيء السمعة قد مر عليكم؟
التعليقات