تتجلى حكمة الله عز وجل في الفرائض التي فرضها علينا في مُحكم كتابه العزيز، ويُفترض أن يكون كل مسلم على وجه هذه البسيطة "عارفًا بقيمة ومضمون هذه الحكمة التي تنبع من فرائضه وهُدى شريعته، وسنة أنبيائه عليهم السلام"- وإننا في هذا المقام سنتحدث عن فرضٍ عظيم كتبه الله على الأولين والآخرين، وأرادنا أن نكون زاهدين عالمين بما فيه؛ حتى نكون على يقين بما نفعل، عند أدائنا لهذا الفرض العظيــم- ألا وهو "صيام شهر رمضان الكريم".

ولا شك أنه وباقتراب حلول شهر رمضان، يتجه الجميع إلى بعض الثقافات الخاطئة التي للروح والنفس غِنىً عظيم عنها، والتي تأتي متمثلة بمجموعة العادات والتقاليد الخاصة بزيادة الاستهلاك في رمضان، والذي يكون عنوانه البارز(الانتقام من الصيام).

يتجه البعض إلى عادة الشراء بكثرة من المواد الغذائية والاستهلاكية، وهذه عادة ليست محببة أمام الحكمة العظيمة من الصيام، إذْ إنْ بعض الأُسر تزيد من عدد الوجبات والأكلات على مائدة الإفطار والعشاء، وهلم جرا، دون أن يكون الإعداد لهذا الطعام مقصودًا لتفقد أصحاب الحاجة.

فاللأسف في الشهر الكريم سادت ثقافة خطرة في أوساط المجتمع، وهي تعظيم الإنفاق الاقتصادي وزيادة الخرج في منسوبات الطعام بقدرٍ عالٍ واهتمام، وسادت ثقافة الإفطار المباشر بالعصائر المختلفة والمليئة بالأصباغ الكيماوية، والتي لها أضرار صحية خطيرة جدًا، بل قد نجد أن بعض الأُسر (تدخل بثقافة المائدة المُتكاملة "إفطار وعشاء") والتي تمتلئ بالأسلحة الثقيلة للهجوم على المعدة دُفعةً واحدة دون رحمة، وكأنه ليس للجسم على صاحبه حق.

والأصل أن إفطار الصائم بكوب ماء وسبع تمرات يجعل الجسم بحالة صحية قوية، بل ويقوي مناعته ويطرد جميع السموم من الجسم.

وصدق أو لا تصدق أن معظم الأمراض التي يُصاب بها الإنسان تنتهي تمامًا في رمضان إذا كانت طريقة الإفطار صحية، وبنفس الوقت بعض الأمراض التي تلحق بالجسم بعد رمضان تأتي بسبب ثقافة الطعام الخاطئة.

لذا، ابضعوا مطابخكم بقُوت يومكم، فأنتم تفعلون ولا تعرفون، وتخطأون ولا تدركون، وأما ردة فعلكم عن تلك السويعات القليلة عند انقطاعكم عن الطعام والشراب، فهي عجيبة كل العجب! تنتقمون من صيامكم بإعداد ما لذ وطاب من الطعام، وتأكلون دون أن تتأملوا وتسألوا عمَّ بين يديكم وأمامكم...

ولا يتوقف الأمر كثيرًا على أمر الطعام والاستهلاك الزائد عن الحاجة، بل أن البعض، يحصر شهر رمضان الكريم بالعبادة والانقطاع مع الذات، ويتفرغ للعبادة في هذا الشهر تاركًا أهم حكمة في هذا الشهر دون أن يعرفها...

والأصل أن يكون نهار رمضان وقتًا للتواصل بين الناس، ومعرفة أحوال البعض، وتفقد الضعفاء والمعسرين، ووقتًا لصناعة سعادة الآخرين، ووقتًا لإيقاظ إنسان الرحمة الذي يمكن أن نخلقه بداخلنا حين نستشعر المعاناة التي يمر بها غيرنا في كل شهور السنة، ووقتًا أن نعرف لماذا أُعقب الصيام بفرحة عظيمة؟ وأن الله تعالى لا يريد لنا أن نعاني كون رحمته بنا واسعة، بل يريدنا أن نقف مع بعضنا (الإنسان أخو الإنسان أولًا، والمؤمن أخو المؤمن، والمسلمون لبعضهم إخوة)، وأن نفهم أشياء كثيرة عن هذا الفرض العظيم الذي كُتب علينا وعلى الأمم السالفة قبلنا، وكأنه ذِكرى لنا وعلينا نسأل بها عن بعضنا؟: لماذا لا نفرح بعضنا؟ لماذا لا نتفقد بعضنا؟ ومن ثم لماذا لا نودع الكبر والغرور، ونقترب من بعضنا بثوب الرحمة ومِعطف الإنسانية؟

والأصل أن يكون الإنسان حريصًا كل الحرص على معرفة الحكمة والسر من صيام هذا الشهر، حيث تتجلى الغاية العظيمة من صيامه في توحد سائر المسلمين على حال واحد، "الأغنياء والفقراء، الرؤساء والمرؤوسون، السيد والمولى، والجميع بدون استثناء".

كما أن رمضان ليس شهرًا لمُمارسة الهوايات بإفراط وتتبع ومتابعة "المسلسلات والمسرحيات"، وليس شهرًا للتسابق في قراءة القرآن بدون تدبر، ولا شهرًا للتباعد والنُكران وهول التحسر، وليس شهرًا لإفراد العصبية والتكبُر، أو إظهار البذخ والتبذُر.

وبالتأكيد ليس شهرًا للنوم، وإمضاء الوقت على الأريكة، فلا بد من الإحساس كل الإحساس بالجوع والضمأ.