لا شك أن معضلة الشر هي أحد المعضلات التي أرقت الفكر الإنساني، ما هو الشر؟ وهل يوجد شر مطلق؟ وكيف يقبل الإله الشر؟ لكن لابد أن نتفق أن الشر يمكن وصفه بأنه أي فعل يحط من أنسنة الإنسان، نفسيًا، جسديًا، أو حتى نظريًا، ولذا فالشرور على اختلافها تؤذي بشكل أو بآخر آدميتنا وإن لم تكن موجهة بشكل مباشر نحونا. 

الشرور لا تقتصر على الإبادات الجماعية والحروب والسرقات حتى تسمى شرورًا، فأمور مثل الفقر والحاجة والمرض والجهل تعد شرورًا، ولكننا نغفلها لأننا نعتادها.

يقول ابن خلدون "قد لا يتم وجود الخير الكثير إلا بوجود شر يسير" وهذه هي فكرة النقيض التي تقول بأن كل أمر فيه نقيضه ولكن بنسبة ضئيلة، أي أن موت شخص مقرب فيه خير مخفي وإن لم ندركه، وولادة طفل رضيع فيه شر مخفي كذلك، وهذه الفلسفة تعرف بأنه لا يوجد شر أو خير مطلق وبأن كلاهما نسبي يعتمد على الأحداث والعواقب والمعطيات وتصورات المتلقي أو المفعول به لهذا الأمر فيحكم عليه بأنه شر أو خير، فإلى أي حد تتفقون مع هذه الفلسفة؟

ومن منظور آخر نحن نعلم أن الشر يحيق بنا من كل صوب، ولكننا نتجاهله ونعتاده لكي لا نغرق في الحزن والألم على أنفسنا والآخرين، ولكن نفلت من جلد الذات، ونخلي مسؤوليتنا تجاه الكثير من الشرور، مثل عمالة الأطفال، وجرائم الشرف، والتسول، والفساد، والرشوة، حتى أنها باتت أمورًا اعتيادية، لا تستوقفنا، نحن نتجاهل الكثير من الشرور، متعمدين أو غير متعمدين، ولكن تأتي لحظة على الإنسان، حين يرى الشر موجهًا نحوه، مندفعًا تجاهه، ويصبح متأثرًا لا مشاهدًا، يستعيد شيئًا من آدميته ويبدأ يدرك نتائج الشرور الكثيرة والمتنوعة، فيلتفت مجددًا، ويبدأ بالنقد البناء، ومحاولات التغيير، وتكون هذه هي بداية الخير في المجتمع.

إن اعتياد مشاهدة الشر بشتى أنواعه لدينا جميعًا تقتل الخير فينا وتعوّق التقدم، فمتى برأيكم تصبح الشرور أمورًا اعتيادية؟ وهل تعتقدون أنه من الجيد أن نذكّر أنفسنا بهذه الشرور وندركها؟

أم أنه من الأفضل أن نجنب أنفسنا هذا الألم، ونتجاهل ما نراه وما يحدث من حولنا؟