في الوقت الذي قدر فيه معظم الفلاسفة الوعي و اعتبروه خاصية مميزة للإنسان، يهدم نيتشه هذا التصور و يعتبر أن الوعي هو الأقل اكتمالا و الأكثر هشاشة، و أن الغريزة في الحقيقة أقوى بكثير منه. بل يذهب إلى حد القول بأن الجانب الواعي فينا إن هو إلا مجموعة من الأخطاء.
فلسفة نيتشه تدعو إلى إعادة النظر في قيمنا و مبادئنا، و هذا ما قاله عن الغريزة و الوعي:
الجانب الواعي من النفس هو آخر درجات تطور الجهاز العضوي، ومن ثمة فهو الأقل اكتمالا والأكثر هشاشة . فالكثير من الزلات يعود أصلها إلى هذا القسم الواعي، كما تصدر عنه الكثير من الأشياء الحقيرة التي يمكن أن تجعل أي حيوان أو أي إنسان يفنى قبل أوانه ... لو لم تكن الغرائز، بكونها رابطة حافظة ومحافظة، قوة لا نهائية، ولو لم يكن لها دور تعديل التوازنات، لهلكت البشرية من زمان نتيجة أحكامها العبثية، وطيشها وأحكامها المتسرعة والشكلية، وبسبب سداجتها وقابليتها السريعة للتصديق، فكل وظيفة من وظائف الجسم ، قبل أن تتطور وتكتمل وتنضج (كما الحال بالنسبة للوعي ) هي خطر على الكائن العضوي ... وهكذا فنحن نغالي ونستبد عندما ننسب إلى القسم الواعي من النفس، الكثير من الخصائص ونعتد به ، ونتخيل أنه هو " الكائن الإنساني " وأنه دائم وخالد وأولي ! كما نتصور القسم الواعي بمثابة كمية ثابتة ومعطاة، وننفي عنه النمو ونغفل ترابطاته، ونعتبره هو المجسد لوحدة الكائن العضوي .
لقد كانت نتيجة هذا التقدير الزائد البليد للوعي، وهذا الجهل بطبيعة الوعي هو تلك النتيجة السعيدة المتمثلة في إعاقة التطور السريع للوعي .
وبما أن الناس يتوهمون أنهم يمتلكون الوعي، وأنهم واعون فإنهم لا يبذلون أي جهد من أجل تحصيله واكتسابه، وإلى اليوم لم يتغير شيء في هذا الوضع .
إن هناك مهمة جديدة مطروحة لا تكاد تدركها العين الإنسانية، ولا تكاد تتعرف عليها، وتعترف بها، وهي مهمة تمثُّل وتجسيد المعرفة وجعلها مسألة غريزية. وهذه المهمة لا يملك أن يدركها إلا أولئك الذين فهمو أننا ، إلى الأبد، لم نتمثل إلا أخطاءنا، وأن كل الجانب الواعي فينا لا يتعلق إلا بمجموعة من الأخطاء .
بعيدا عن فلسفة الوعي و الغريزة، ما أثار انتباهي هو ما قاله على أن الناس لم يطوروا الوعي لأهمه اعتقدوه كاملا، ربما هذا أكثر ما أقنعني، إذ يمكننا إسقاط ذلك على حياتنا، على أنفسنا، الكثير من الجوانب فينا نعتقد أنها كاملة لهذا لا نطورها. بهذا فإن أول طريق للمعرفة هو أن تعرف أنك لا تعرف. هل تتفق معي؟
و عودة إلى الوعي و الغريزة، ربما الوعي بالفعل مسؤول عن الكثير من الأخطاء، لكن أليست الغريزة أيضا مسؤولة عن بعض الأخطاء؟
ما أثار انتباهي أيضا هو ما قاله في بداية النص من أن الوعي هو آخر درجات تطور الجهاز العضوي، ما المقصود بذلك؟ هل الوعي ضمن الجهاز العضوي أوليس غير ملموس؟
ما رأيك أنت؟ هل تتفق مع نيتشه؟ أيهما أقوى، الغريزة أم الوعي؟
التعليقات