تصنف الكتابة ضمن الفنون الإبداعية التي تجمع بين التعبير عن العواطف الجياشة والمشاعر الفياضة وبين التثقيف بتقديم الأفكار والمعلومات وبين التواصل مع القارئ عبر سيل من الأحرف والكلمات، لذا يعد الكاتب سجلا لكل الأفكار ونتاجا لمجتمع يعيش واقعه و يشارك مشاكل أفراده، فينقل كل ذلك في قالب إبداعي بسيط في متناول القارئ الذي قد لايكلف نفسه إلا عناء إقتناء لكتاب أو بضغظة زر لقراءة ما نُشر، في حين الكاتب قد أستهلك منه الكثير من الأشياء لظهور كلماته في نسختها النهائية.

ومن المعلوم أن الكتابة قد تبدأ بشغف لتستمر لحد الهوس الذي يشعر صاحبها برغبة المفرطة في الكتابة في كل الأوقات، فاللحظة التي تحضر فيها الفكرة إلزامي عليها أن تدون وإن لم تكن في ظروفها المناسبة. 

فالشغف يعد شعور قويّ يملأ الكاتب بدفعه للكتابة والاهتمام البالغ بالأفكار و المواضيع التي تشغل باله، لكن الشغف الزائد قد يتحول لمرض يدعى بمصطلح " Graphomania" المعروف أيضا باسم "scribomania" الذي يعني هوس الكتابة إذ يصنف ضمن مجال الطب النفسي الذي يعني رغبة مرضية وجاذبية مؤلمة بشغف الكتابة لا تقاوم في غياب القدرات المناسبة لكتابة نصوص ذات قيمة ثقافية أو كتابة عديمة الفائدة. 

-نلامس الكتابة التي تتدحرج بين الشغف والهوس لسلسلة من الكُتاب من بينهم:

  • أبو القاسم الشَّابِّي الملقب بشاعر الخضراء شاعر تونسي الذي توفي وهو في الخامسة والعشرين من عمره كان يقول أن الالهام لا يأتيه الا في الهزيع الأخير من الليل وكان يضطر الى استخدام فحم الحطب كطبشورة يكتب بها على جدران الغرفة التي يقيم فيها حتى اذا جاء الصباح عمد الى نقل ما كتب على الجدار الى كراس وكان ذلك يتسبب في مشاجرات مع الأهل ولكنه كان يقول لهم أنه مضطر الى التعامل مع العملية الابداعية على هذه الشاكلة.
  • إرنست همينجواي الذي يعد من أهمّ روائيّي القرن العشرين الحائز على جائزة نوبل في الأدب قيل عنه أنه كان يصعد أعلى منزله، يكتب واقفا بالقلم الرصاص مرتديا حذاء اكبر من مقاسه، وكان يتابع عدد الكلمات التي يكتبها يوميا "كي لا يخدع نفسه" على حد قوله وحين يتوقف إلهامه الكتابي، يترك العمل على الروايات والقصص ويتجه للردّ على رسائل البريد.
  • محمود درويش الشاعر الكبير قد اعتاد على نمط حياة معين، كان ينهض باكرا يبدأ بحلاقة ذقنه، وتناول قهوته، ثم ارتداء ملابسه كاملة، كما لو كان لديه موعد غرامي، ليجلس وراء منضدته ليبدأ بكتابة أشعاره أو انتظار الإلهام، كان يكتب بقلم حبر سائل على ورق غير مسطر ثم يمزق الأوراق ويعود للكتابة ثانية ويستمر مسلسل تمزيق الأوراق طويلا قبل أن يقتنع بما يكتبه..

*من خلال ما ذكر سلفا، تذكرت ما حدث للفنان الهولندي   فان جوخ الذي قطع أذنه، وبعد ذلك رسم نفسه بأذن ممزقة ليصبح مشهورًا عالميا، بغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي دفعته للإقدام على قطع الأذن وفي وسط تعدد الروايات التي تنفي علاقة حبه بالرسم وبين ماقام به، إلا أن من المعلوم أن الشغف قد يتحول الى إلهام قاتل لصاحبه، قد يضحي بصحته من أجل أعماله، هكذا ما يحدث مع الكاتب يضحي بوقته، بتأخره عن موعده، يفقد وظيفته من أجل أفكاره التي لايردها أن تبقى حبيسة بل يراها تستحق أن تسمع وأن تعرف أمام العلن وهذا ما عبر عنه الكاتب الفرنسي أندريه جيد لوصف الحالة التي تجمع بين الهوس والشغف للكتابة يقول:" ان أجمل الأشياء هي التي يقترحها الجنون ويكتبها العقل وينبغي التموقع بينهما بالقرب من الجنون حين نحلم وبالقرب من العقل حين نكتب.."

*في الأخير، وأنا أنسج هذه الكلمات التي تقرؤونها الأن، لا أعلم إن كان هذا نابعا بشغف أو وصل الى حد الهوس وهذا بحسب الظرف الذي يقام فيه، الساعة تشير الرابعة فجرا، أحارب النوم من أجل أن تنتصر هذه الأحرف لتسبح بحرية في هذا الفضاء، وما يحدث الأن بالضبظ أعتبره جنونا وفقط.

وماذا عنكم يا أصدقائنا الكُتاب؟ هل أنتم في مرحلة الشغف أو الهوس بالكتابة؟ شاركوا معنا بعض من الطقوس الغير الإعتيادية التي تمارسونها؟

كيف ترون مسألة أن يصبح الكاتب شغوفا بالشئ الذي يحبه ليصل به الى حد الهوس والجنون به؟ وكيف بإمكانه الموازنة في هذه المسألة؟