شَغَلَني لِفَترةٍ التساؤلُ عن الفرق بين الفيلسوف والمفكر. وإن كان يبدو للوهلة الأولى أن الفرق غير ملموس أو لا فائدة بارزة تُرجى منه، إلا أن إدراك هذا الفرق سيوفر على القارئ الكثير من الوقت والجهد في تحديد الكاتب والكتاب المناسبين لما يبحث عنه.
يُعرّف الدكتور عبدالكريم بكار المفكر في كتابه "تكوين المفكر" بأنه "يتردد بين صناعة المفاهيم وبلورة الرؤى واستخلاص العبر وبين إصلاح الواقع وتشخيص الأزمات التي يعاني منها الناس". فإن صياغة الفكر تتطلب ائتلاف الجوانب المعرفية المختلفة، فتنطلق منها وتحتكم إليها. فنجد المفكر يستعين بالتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس ومعاينة الواقع لتفسير ظاهرة أو معالجة معضلة. بينما يعوّل الفيلسوف على الفلسفة وحدها ومنهجيتها، فنرى طرحه ينبع منها ويصب فيها؛ لذلك يمكن أن نقول أن المفكر يتحرك ضمن إطار مرجعي من حقول معرفية مختلفة، وينطلق منها، بينما نجد الفيلسوف أكثر حرية وجرأة في تحديد مرجعيته، وغالباً ما تكون مرجعية خاصة به، ولا يُقَيِّدُهُ التحرك داخل قوالب محددة.
المفكر يوظّف المعرفة، والفيلسوف يستقصيها ويبحث في مصادرها وكنهها. فالفيلسوف يجيد التساؤل، والمفكر يحلل الظواهر، وهناك من جمع بين الاثنين. والتباين بينهما ليس تفاضلاً، بل يُعد تكاملاً، ولكلٍ إسهامه.
التعليقات