تشيع بيننا مقولة: كل أحد يأخذ حظه أربعة وعشرين قيراط وليس هناك حيف في الحياة. ولكن مهلاً، هل هذا الرأي يثبت عند التحقيق وإنعام النظر؟ كلاً! إنً الحياة غير عادلة في توزيع الحظوظ ويوافقني أحمد خالد توفيق في كتابه “لا مكان للملل" متعجباً من صاحبه الذي ليس له مؤهلات في العمل إلا منظره الوقور وشيب شعره، فيقول: " كان عامر له تأثير الهالة (Hallo effect). الشعر الأبيض الذي يحيط برأسه كهالة يقنع المرضى والباحثين المنافسين. كان يدخل امتحانات الترقية فلا يسألونه تقريباً.. يتبادلون معه عبارات المزاح ثم يرقونه...

يواصل ويقول: ثم إن صاحبنا سافر الخليج. توقعت أن يعود مضروباً بالأحذية إلا أني توصلت أنه يملك تأثير الهالة والحظ المخيف.... يقضى خمسة أعوام وهو لا يفقه شيئاً...وبرغم هذا هم يحبونه...ويرسل لي صوراً وسط أصدقاء يلبسون الغطرة والجلباب ويعانقونه في مرح...ثم يرجونه بحرارة أن يبقى معهم للأبد فيعتذر بان مستقبله الجامعي ينتظره...هكذا عاد من هناك حمارًا ثرياً يوقره المجتمع ويجله!

ثم يُرسي توفيق قاعدته في الحياة: هكذا توصلت وأنا في سن الأربعين إلى أن سر النجاح في الحياة ليس أن تكون بل أن تبدو......

 في أواخر عقده الثالث، يبعث العقاد إلى لطفي جمعة المحامي بخطاب يستغيث وينهيه بقوله: بل لا أظن أن هناك شيئا مما يحتاجه الحي في حياته، لست أنا في أشد الحاجة إليه الآن، وكفي بذلك تصريحا وتوضيحا...." العقاد هنا يشكو الجوع ! لقد جاع العقاد وشبع طُغام الناس!! أي عدل في الحياة؟!! لو لم ينشر المحامي ذلك الخطاب في كتابه (شاهد على العصر) لما علمنا!

يقول العوام عن ضربات الحظ العمياء: الحظ لما يؤاتي يخلي الأعمى ساعاتي!! بمثل هذه النغمة يقول الشافعي:

الجدُ يُدني كل أمر شاسع................. و الجدُ يفتح كل باب مغلق

وإذا سمعت بأنً مكدوداً أتي.............. ماءً ليشربه فغاض فحقق!

وأحقُ خلق الله بالهم امرؤٌ................ ذو همة يُبلى بعيش ضيق

ومن الدليل على القضاء وكونه......... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق!

فهذه حقيقة، قدر، لا يمكن نكرانها ولا نستطيع فهمها، بل إن ضيق عيش من يستحق السعة قد يدفع به إلى الجنون و الزندقة كما ابن الراوندي:

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه......... وجاهل جاهل تراه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة......... وصيًر العالم النحرير زنديقا!

إذن، الحياة غير عادلة في توزيع الحظوظ ولكن تلك حقيقة بغيضة مرهقة تهدد سلامنا النفسي وقد تفضي إلى التخلص من الحياة.

 سؤالي هنا: كيف نتعامل مع ظلم الحياة وهل من وسائل تخفف من ذلك الشعور بالظلم؟ أم ترون أن الحياة عادلة؟