الأدب أدبان: أحدهما أدب إنشائي، والآخر أدب وصفي، الأوّل أدب سيء والثاني أدب على الاقل جيّد، كيف يكون ذلك؟ الأصح كيف قررت ذلك؟ بالمباشرة التي يمارسها بعض مُمارسي الادب الإنشائي وكاتبيه، فهؤلاء حتى أراهم قسمين، القسم الأوّل مُهتم باللغة، يجوّد ويجوّد بها حتى تُصبح مُزخرفة ملوّنة لا طعم لها ولا لون، أي بلا معنى، مُفرّغة، معاني كليشيه، لكن أسوء ما يُمكن أن يُمارس في أي عصر هو ما عَكفَ عليه برأيي واحد من الأشخاص الذي استطاع خديعة الكثير من الناس عبر أدبه، ليس بجمالياته بل بمثالياته المُثقلة للأرواح التي لا معنى لها على كوكبنا، طبعاً أتحدّث عن بلزاك الذي حوّل الأدب أداةً طيّعة في خدمة الوعظ الأخلاقي، إنّ مُعظم أعماله فيها من المُباشرةِ الكثير حتى ليُصبح الواحد منّا يسأل نفسه كيف استطاع أن يلمّ حوله كل هؤلاء الناس؟ كيف خدعهم وخدّرهم بالكلام؟ 

لديه مقولة لا يمكن أن أتفق معها ولا بحال من الأحوال تُلخّص مجهوده الإنساني بكامله، حيث قال مرّةً: "إنّ وظيفة الأدب الوحيدة في المجتمع هي تحسين الأخلاق!" تحسين الأخلاق؟ هل يُمكن أن نختزل وأن يرضى مُجتمعٌ بأكمله أن يتخصر مُهمّة الفن كُلّها ووجوده بمسألة تحسين الأخلاق؟! ولماذا لا يكتب المعني بتحسين الأخلاق المقالات أو الكتب عن هذه المرور؟ ما حاجته للأدب؟ وبمزيدٍ من التمحيص أيضاً في القضية يدفعك أن تسأل: من قال لك أصلاً أن تُحدد وظائف الأدب وتحتكرها بما رأيت أنّهُ الأفضل لمحيطك؟ 

هُناك من يسأل وأنا منهم، في عالم فاضل، مليء بالفضيلة، مُتخم بها، عالم يوتوبيا رائع، هل يعقل مثلاً في هذا العالم أن نفتقد الأدب ونعجز أو نتوقف عن الكتابة بحجّة كمال أخلاقنا؟ هل حقاً نحن نحتاج الفن لتقويم سلوكيّاتنا فقط؟ هل تشعر أنّك في عالم جنائني لن تسمع الموسيقى ولن تقرأ الأدب؟ كلّها أسئلة برسم التفكير، برسم النقاش، علّنا نجد مخرجاً من المأزق الذي ورّطنا به بلزاك ويُورّط كثير من مُحبّيه به، فكرة أن تكون مُهمّة الأدب الوحيدة هي الوعظ أو بعبارته السيئة، عبارة بلزاك: تحسين الأخلاق..