عجيب كيف أننا كبشر نتناسى في كثير من الأحيان أمور جمة ومهمة في سبيل تحقيق أحلام آخرى قد لا تكون من الأهمية أو حتى ذات أهمية قصوى، فتقف دنيانا كلها لتحقيق هذا الحلم وفقط. 

في رواية (حضرة المحترم) للرائع نجيب محفوظ. كان المبدأ الذي يحيا عليه بطل الرواية هو العمل الجاد فكان يرى أن الناس ينشغلون عن تحسين حيواتهم والعمل الجاد بالحديث الفارغ عن الأحلام. وعن السياسة والمصطلحات الرنانة كالحرية والديمقراطية وغيرها من المفاهيم التي استعصى عليه فهمها، لماذا؟ لأنه انكب على العمل وفقط، في سبيل الترقيات والتدرج في المناصب التي يرى أنها تمنحه الرفعة والعليا والمكانة المميزة. سعى إلى الوصول إلى أعلى المناصب الوظيفية متناسيًا بقية حياته. ليجد نفسه في الأخير على فراش الموت وقد نال ترقية في العمل، ولكنه غير قادر على النهوض للفرح بها، وليس له ولد أو أحد يمكنه أن يعتني به، يُحيي اسمه من بعده، أو حتى يؤنس وحدته. 

فهل حقًا تستحق الوظيفة كل هذا القدر من التضحية؟ وهل بدونها لا يقدر الإنسان على اكتساب الرفعة والعلا والمكانة المميزة؟

من أحد الأسباب التي تدفع بعض النساء اليوم إلى الدخول لسوق العمل، ولو من المنزل، هو شعورهن بتدني قيمتهن في المجتمع، وتفاهة ما يقومون به من تربية لأطفالهن واعتناء بمنازلهن، فيبحثن عن عمل، وظيفة، مشروع أو أي شيء يشابه هذا، لتنمية وتحقيق ذاتهن، لاثبات قدرتهن على النفع، لتحقيق وترسيخ قيمتهن في المجتمع. ويكأن إعداد أجيال المستقبل، وتنشئتهم لا يكفل لهم قيمة ومكانة عظيمة لا يضاهيهم فيها أحد. حتى الرجال تحول عندهم الهدف الذي يعملون من أجله، من كسب الرزق وتأمين المعيشة إلى ذات الأسباب، تقدير الذات، اكتساب المكانة الاجتماعية والرفعة ... الخ. فتجد الرجل يرهق نفسه في العمل فوق الاستطاعة والعادة، يفعل أكثر ما يجب. بل وقد يتحمل أعباء إضافية عن ما هو متطلب منه ليثبت للجميع فقط قدرته وقيمته النفيسة. ليتحول العمل والوظيفة عند كل الأطراف من خانة توفير لقمة العيش، لخانة القيمة الشخصية والذاتية، فقيمة الشخص من عمله ووظيفته، لا من أخلاقه، ولا تدينه، ولا فائدته لأسرته ولمجتمعه. 

فما رأيك عزيزي القارئ هل تتفق مع هذه الفكرة؟ أم أن لك رأي آخر؟