فلأتقمص شخصية ديستويفسكي في روايته ذائعة الصيت "الأخوة كرامازوف"ودعنا نبتدأ الحديث يا صديقي بسؤالٍ على غير عادتنا..
كيف تعرف أن شخص ما يحبك ولماذا تحبه؟ سواء كان صديق أو أخ أو قريب أو زوج ؟
قد تجيب إجابة عريضة تقول فيها، أنك تعرف ذلك وتتأكد منه إذا كان هذا الشخص يفعل لك ما تريد ويحقق لك ما تحتاج ويلبي رغباتك ويتحمل ظروفك وتقصيرك وأخطاؤك ولا يلومك ولا ينقدك ولا يضرك..
حسناً..جميل جداً، فلتكمل حديثك، ها أنت قد أجبت على نصف السؤال فقط، وهو "كيف تعرف أن الشخص يحبك؟"، خبِّرني إذن لماذا تحب هذا الشخص؟
قد تفكر برهة وتجد نفسك أمام نفس الإجابة.. غالباً ستكون هي نفس إجابة الشق الأول من السؤال دون أي تغيير..إن كان كلامي صحيح فيؤسفني أن أخبرك أنك لا تحب هذا الشخص، بل تحب نفسك، لا تحب أفعاله وشخصيته، بل تحب انعكاس تلك الأفعال عليك بالإيجاب، مما يجعلك تشعر بالراحة، فأنت تحب استفادتك من هذا الشخص وتحب أن تعود شخصيته عليك بالنفع بما تحمله لك من حب وعطاءات مادية ومعنوية، أما الشخص نفسه فهو لا يعنيك في شئ، إنك أنانيٌ يا صديقي!
في رواية " الإخوة كرامازوف" للكاتب الروسي فيدور ديستويفسكي ثمة جزء حواري لفت نظري وهو كالآتي:
تقول البطلة لشخصية بالرواية تدعى إيڤان : "إنني أحبك ولا أدري ما السبب"
فرد إيڤان: أنتِ لا تحبينني إلا لأنني قريب منك، أنتِ لا تحبينني، بل تحبين فكرة وجودي بجانبك، تحبينني لأنك تستطيعي أن تحدثينني وقتما شئتِ وأن تصبي غضبك علي وأن تملأي رأسي بترهاتك التي لا تنتهي، وأنا بالطبع أبقى بجانبك أستمع كالتلميذ النجيب، لكن ما أن أغيب عن ناظريك يوم حتى تستطيعي من صباح الغد أن تجدي مسكينًا آخرًا يحل مكاني. أنتي تحبين نفسك فقط رغم أنك من أعماقك تعتقدي بالفعل إنك تحبينني .. لكن لا ليس كذلك.."
حين قرأت الحوار ووضعت نفسي مكان إيڤان فتوصلت إلى أن أغلب العلاقات على تلك الشاكلة، علاقات لا مجال لك فيها للخطأ، أنانية بامتياز، إن تغيرت استُبدلت فوراً، إن توقفت عن العطاء لأي سبب كان ستوضع تحت بند "العلاقات السيئة".
تساءلت: لماذا نقيس العلاقات بالمنافع التي تأتينا فقط من تلك العلاقة؟، لماذا ذرعت فينا تلك الأنانية المفرطة في التعامل مع الناس، والتي ساهمت السوشيال ميديا لحد كبير في انتشارها أكثر وأكثر، لماذا تتضاءل الإنسانية في علاقاتنا وتتحول حتى العلاقات العاطفية إلى علاقات تجارية تسير بمبدأ "هات وخذ" وفي حال تقصير أحد الأطراف يوصم بالإستغلال والخداع و..و..إلخ، من الإتهامات المنتشرة والتي بإمكانك أن تضيف لها المصطلح (علاقة toxic) أي "سامة" والذي بذغ وانتشر مؤخراً حتى إذا أرسل إليك صديقك رسالة ولم ترد عليه لإنشغالك مثلاً او تعبك أو حزنك قد تدخل فيسبوك بعد نصف ساعة وتجد أن صديقك نشر منشوراً يقول فيه مثلاً: "أرهقنا العمر في العلاقات ال toxic ثم يتبعها ب #مقصوده" في حين ان عمره في الغالب يكون أقل من 25 أو ال 30 !!
فعن أي توكسيك يا صديقي تتحدث وعن أي عمر تتحدث !، إن لديك مشكلة كبرى في إنسانيتك..في لطفك..في بديهيات الإنسانية من إحترام الغير وإحسان الظن بهم وتقديم الحب الغير مشروط.
وكي لا أطيل...فإني أرى أن الحب الصادق يظهر أكثر كلما قلت منافعك وازدادت "دون انتظار للمقابل" عطاءاتك.
والآن صديقي العزيز أود أن أطرح عليك سؤالاً:
ما هو أكبر ضرر تراه للسوشيال ميديا في علاقاتنا؟ وهل تتفق مع جملة "أنت لا تحب الشخص لذاته بل للمنافع التي تحصل عليها منه"؟
التعليقات