ما أحوجنًا إلى تنمية تفكيرنا لمواجهة المواقف الحياتية التي تباغتنا من حين إلى آخر والتسلح بالتفكير المنطقي الذي يحمينا من الوقوع في أخطاء التفكير، لِذا ما كان عليّ إلا قراءة كتاب التفكير المستقيم والتفكير الأعوج والذي يعد أشهر الكتب التي تعد مدخلًا لعلم المنطق.

الغرض الأساسي للكتاب هو تنمية التفكير النقدي عند الإنسان ومحاولة الإشارة للمشاكل التي تواجهه في التفكير.

وهنا أتحدث عن ظاهرة تدعى "الانسلاخ النظري والأكاديمي من الحياة العملية"

يبدو أن هذه الظاهرة مميزة لأنها عكس ظواهر قصور التفكير الأخرى فإنها تصيب الإنسان المثقف المتعلم أكثر من الإنسان البسيط. 

وهذا ما لفت انتباهي لتلك الظاهرة حيث أن الأمر كالتالي: الإنسان المثقف لا يحب إلقاء الأحكام في ظاهرة ما واختيار جانب من الجوانب بسرعة فهو لذلك يحب أن يقرأ ويطلع عن الموضوع ثم يجمع المعلومات التي تفيد وتضر الطرفين ولكنه أحيانًا قد يقع في مشكلة أن الطرفين لهما وجهة نظر صحيحة ومدعمة بالأدلة وأن ما يرد هنا يرد هناك أيضًا وبذلك يقرر أنه لن يأخذ أي جانب لأن كلا الجانبين لهما ما لهما وعليهما ما عليهما

ويقول إن من أتخذ جانبًا منهما فذلك لأنه لم يقرأ كفاية بعد في الجانب الأخر ولم يعرف ما عنده من الحجة والبرهان.

فهو هنا مثقل بالمعلومات التي جمعها ويبعد بسببها عن الحقيقة وهو يعتقد أنه يقترب منها! 

وربما حصل هذا معنا ووجدنا أننا كلما تعمقنا في موضوع ما لم نعد نستطيع مقارنته بغيره أكثر وهذه مشكلة. ولكن المشكلة الأكبر عندما تصدر هذه الأفكار المبالغة في الحيادية من الكتاب والمثقفين الذين نعدهم منارة لنا وعكس هذه المشكلة أن يتمسك الشخص برأي ما وهو لا يعرف إلا أقل القليل عنه فكيف نوازن؟ 

والأمر الملازم للحياد هو البساطة فالكاتب يقول أن أكثر الناس لا يعنون بالفعل بأي تعقيد في المسألة ولا يأخذونه في الحسبان وهو يشعرون أنهم واقفون وقوفًا كاملًا من الظاهرة إن استطاعوا أن يضعوا المسألة المعقدة في قالب بسيط. فتجد أحد الرجال يقول: المرأة المتبرجة كالحلوى المكشوفة اللي يلتف حولها الذباب. رفعت الجلسة! 

ولا يترك الوقت لمناقشة الموضوع بالفعل بل يضعه في قالب بسيط ليشعرنا أنه يفهمه بالكامل وهذا انسلاخ أخر عن الواقع.

ماذا تعتقدون سبب ذلك الانسلاخ عن الواقع؟ وهل الحياد دائمًا خاطئ؟