رواية ثلاثية نيويرك للكاتب الأمريكي بول أوستر عبارة عن ثلاث روايات كتبها أوستر في أزمان مختلفة، وتمّ تجميعها في مجموعة واحدة، حيث لا علاقة تربط الروايات الثلاثة معاً، فلكلّ رواية أبطالها وأفكارها وأحداثها، وتأتي الرواية في ثلاثة أجزاء:

رواية مدينة الزجاج

تخيّل لو تمكنت من رؤية تفاصيل المدينة التي تعيش فيها وكأنّ ما يفصلك عن الآخرين ألواح زجاجية؟، بهذا الشكل يحاول أوستر أن يختصر فكرته في روايته الأولى (مدينة الزجاج).

إنها باختصار قصة كوين بطل الرواية الذي يستقبل اتصالاً هاتفياً خاطئاً من شخص يقول بأنه مهدّد بالقتل!، فيحاول كوين حماية الرجل ومساعدته رغم معرفته بأنه ليس المعني بالاتصال الخاطئ!، وحتى يمكنه حماية الرجل يحاول جمع المعلومات عنه، ويراقب الناس حوله ليعرف مَن ذا الذي يهدّد حياته.

وحتى يفهم كوين طريقة تفكير القاتل عليه أن يعرف محيطه والبيئة التي يعيش فيها، ممّا يجعله يراقب طبقات المجتمع كاملاً والتي تمثّل المجتمع الأمريكي، لتنتهي الرواية حين تصبح عملية البحث هي مركز عمل كوين والتي على إثرها ينسى نفسه وبأنّ له حياة عليه أن يعيشها.

فكانت فكرة الرواية، بأننا حين نبدأ بمراقبة الآخرين وملاحظة التفاصيل التي تخصّ حياتهم سنخسر حياتنا بكلّ تفاصيلها، قد يصل الأمر أحياناً حين نتتبع طباع أحدهم أن نصبح هو، بعاداته وأفكاره وآرائه وحتى في نمط حياته، فنفقد هويّتنا!، ما رأيكم في ذلك؟

 

 رواية الأشباح

تعتبر الرواية صغيرة نسبياً لا تتجاوز 100صفحة، تدور أحداثها حول بطل الرواية بلو المكلّف بمراقبة بلاك، لماذا؟ 

لم يتم توضيح الأسباب، فقط عليه أن يعرف تحركاته وكيف يمضي يومه، ليقوم بلو بالسكن جوار بلاك، ويبدأ بمراقبته متخذاً الكثير من الأساليب لفعل ذلك، خاصة وأنّ الرجل لا يخرج كثيراً من بيته ولا يخالط الآخرين.

أحداث كثيرة تضمّها الرواية حيث يحاول بلو في كلّ مرة التنكر بشخصية جديدة في محاولة منه للتقرب من بلاك، تلك الأحداث التي توصلنا للهدف النهائي الذي أظن الرواية تريدنا أن نفهمه.

بأننا نشكّل انطباعاتنا عن الآخرين من خلال ما نظنه ونعتقده ونسمعه وأحياناً من خلال استنتاجاتنا الخاصة القائمة على شكل ذلك الشخص وطريقة حياته، لكنّ كلّ ذلك يختلف حين نختلط به لنحاول معرفته فندرك الاختلاف الكبير بين ما بنيناه على الظنّ وبين ما هو مبني وفق واقع الحال، فماذا تظنون حول ذلك؟

رواية الغرفة الموصدة

تهاتف زوجة فانشو السيد هنري لتخبره بأنّ زوجها اختفى في ظروف غامضة وأنه ترك وصية يطلب فيها بأن يقوم هنري بمراجعة كلّ كتابات فانشو فإن ارتأى أنها صالحة للنشر فعليه أن يقوم بذلك.

يقبل هنري تنفيذ وصية صديقة ويحاول في تلك الأثناء البحث عنه، رويداً رويداً تروق حياة فانشو صديقه هنري، ليعيش الآخر حياة صديقه، فيتزوج زوجته ويتبنّى ابنه، ويساهم في نشر كتب صاحبه التي تنجح وتنتشر عالمياً، وكلما زاد نجاح فانشو زاد ابتعاده وبات العثور عليه أصعب!!.

أحداث الرواية كثيرة نوعاً ما، لكنها تتقارب وفكرة الروايتين السابقتين من أننا نقتحم حيوات الآخرين فنتخذها حياة لنا، أو نشكّل معتقداتنا وفقاً لها!!، في النهاية الروايات جميلة، لكنها تغرقك بالتفاصيل!.

ربما لست من هواة ذلك النوع من الروايات الذي يعنى بوصف المكان بالتفصيل، وولوج تفاصيل لا علاقة لها بفكرة الرواية، وهو ما اتبعه أوستر في رواياته الثلاثة، حيث لم يحاول المترجم أبداً محاولة التصرّف بالنصّ حتى لا يفقد روحه.

لذلك قد تضطر وأنت تقرأ الروايات الثلاثة والتي تأتي بعدد صفحات يقارب 500صفحة، أن تشعر بالملل قليلاً وربما تقوم بتخطي بعض الأجزاء التي تشعر بأنها تدخلك بدوامة!، كما قد تجد بعض الرمزية المفرطة التي تجعل فهم النصّ صعبة أحياناً، هذا الأمر وتلك التفاصيل هي ما يظن أوستر بأنها فكرة روايته التي أراد منها ببساطة تشكيل هوّية المدينة، وما يرغب بنقله للقارئ عن البيئة التي عاش فيها الناس في نيويورك وهو ما كان يهتمّ الكاتب بإيصاله، فهل ترون ذلك الهدف كافياً لكتابة رواية ذات تفاصيل متشابكة ومعقدة؟