“إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة.أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر.ثمة آفاق كثيرة لابد أن تزار، ثمة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ، وصفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جريء.”
إنها المرة الأولى أستعرض فيها عملاً أدبياً من بلدي ، و هو عمل مميز جداً تميّز فيه الكاتب الطيب صالح بالبساطة في الطرح و أسلوبه الأخاذ و التفاصيل التي تتسم بالعذوبة ، أمضيت قراءة تلك الرواية الصغيرة و أنا تعلوني ابتسامة هادئة متماشية بتناغم مع أحداثها ، و كان حاجباي كثيراً ما ينعقدان فضولاً في التعرف إلى تلك الشخصية الغريبة .. مصطفى سعيد ، ذاك الرجل البسيط و الغامض في آن واحد !
أنا لن أركز في موضوعي هذا على أحداث الرواية التي تدور في شمال بلادي و موطن الكاتب نفسه ، إنما سيكون حديثي عن تفاصيل أخرى لاحظتها أثناء إبحاري في الكتاب منها أن الكاتب اتخذ الأمل و البهجة طابعاً لروايته فافتتح قصته بعودته إلى أرض الوطن و دردشاته مع الأهل و القهقهات في جوّ يجبرك على الإبتسام كأنك تجلس معهم في تلك المساحة ، و يأتي هذا بعيداً عن الجو المعمول به لدى عامة الكتّاب أو أكثرهم إن صح القول ، من اعتماد مفرط للسوداوية التي تبث الكآبة في نفس القارئ و ربما تبكيه في عدة أحيان .
فقد نجح الطيب صالح في منحي بضع ساعات من جو عائلي دافئ على أرض الوطن الذي لا أسكنه بل يسكنني ، و في زمان يختلف عن زماني ، بل إنه جعلني أتعرف على بلدي أكثر و جال بي في رحلة آسرة في ربوعه ، و جعلني أتعرف على الشخصيات عن قرب و تنشأ بيننا صداقة غير مرئية للعيان ، أحببت أرض الشمال الحارة كما وصفها و صورها ، فعنده الحياة لم تفقد ألوانها و حقول الورد لم تذبل و الشمس لا تزال مشرقة في السودان .
يحدث أن يجعلك كاتب تحب بلدك كما لم تحبها من قبل ، تبتهج فيها و تعيش لحظات سعيدة ، و يحدث أن يجعل منك كاتب آخر تراها كجحيم على الأرض !
يا ترى .. هل قرأت يوماً عملاً لكاتب من بلدك جعلك تراها كما لم ترها من قبل ؟
يحدث أن تحب أرضاً لم ترها يوماً .. و يحدث أن ينقبض قلبك من ذكر أرضٍ كانت مسرحاً لمأساة عظيمة في رواية أحدهم !
و ما حققه الروائي هنا أن جعلني أجتمع ببلدي كما رواها ، كما أحبها و أحببتها معه ، و أشعرني بحميمية الأواصر الإجتماعية بين الشخصيات ، كما ارتشفت معهم أكواباً عدة من شاي الصباح الذي أعشقه ، و تأملت شخصية مصطفى مراراً كما تفحصها هو طوال الأحداث .
هل قرأتم يوماً للطيب صالح ؟ أرجو ذلك .
و هل تفضلون أجواء الحزن في الروايات أم تجذبكم الروايات ذات الأحداث الخفيفة و الممتعة ، و لماذا برأيكم يفضل بعض الكتّاب اللعب على وتر عاطفة الحزن في القارئ ؟
التعليقات