الفيلسوف الألماني (آرثر شوبنهاور) يقدم لنا تفسيرات لسماع الموسيقى، لكن قبل الشروع في تقديم التفسيرات يجب أن نعلم أنها تنطبق على المعزوفات التي تُلعب بدون مطرب، مثل معزوفات الأوركيسترا أو ما يناظرها في عصرنا هذا من موسيقى الـAmbient – Post rock – Meditaion، وأي مقطوعة موسيقية مشحونة بأجواء ومشاعر قوية وغنية وغير منطوقة بلغة، ومن أجل أن نتعرف على طبيعة العلاقة بين الموسيقى والإرادة الدافعة للحياة يجب أولًا أن نعرف ما هي تلك (الإرادة) التي يتحدث عنها شوبنهاور.

الإرادة

يقول (شوبنهاور) أن ما يدفع الحياة للاستمرار هي إرادة كلية، مثل هذه الإرادة موجودة لدى الإنسان في أن يلبي متطلبات حياته الأساسية، والابتعاد عن الخطر، والتكاثر، فهي إرادته في أن يجعل الحياة تستمر، لكن هذه الإرادة ليست مقتصرة على الإنسان فحسب، وإنما كل أشكال الطبيعة، وهي التي تدفع كل أشكال الحياة للاستمرار، فهي الإصرار على البقاء، والمحاربة من أجل الاستمرار في الحياة، وهي غريزة بدئية موجودة في الحياة منذ نشأتها.

الموسيقى والإرادة

وإذ أصبح مفهوم الإرادة تبعًا لما ذكرت أعلاه غير مقتصر على الإنسان، فلقد أصبح – عند شوبنهاور – مفهوم كلي، أي أنه ينطلق من الطبيعة ويخترق الإنسان في امتداد ليس به حواجز، ويصبح الإنسان متصل بما حوله من كل أشكال الحياة عبر هذه الإرادة، وما تفعله الموسيقى أثناء الانسجام معها هو إغراق الإنسان في الحلم، وثوران مشاعره الداخلية، التي تبدأ من العواطف السطحية العادية، ولكن مع التعمق في الاستماع يصل إلى مرحلة تصور فيها إرادته الداخلية، وتتفاعل مع الموسيقى، ما يجعل الإنسان يستشعر هذه الإرادة في رضات ومشاعر يصعب وصفها بالكلام، لكن طالما أنه وصل إليها في نشوته مع الموسيقى بالتأكيد سيشعر بأنه جزء لا يتجزأ من الكل، وأنه ليس فردًا واحدًا ولكن بأنه الحياة برمتها.

أقوى أشكال التفاعل مع الموسيقى

يحدث هذا في جلسات التأمل، اليوجا، مع خلفية موسيقية متواترة وهادئة، والتي تبدو بعد الإغراق فيها - لمدة ما بين 15 إلى 20 دقيقة - فكرة الانتماء للحياة والتحرر من الفردية حقيقية للغاية، ومن ذلك يتغلب الإنسان على مخاوفه وشكوكه، لأنها جميعها نابعة من شعوره بأنه فرد واحد منفصل عن البقية، فما أن نشعر بهذا التكامل والاتحاد مع العالم تذهب هذه المخاوف، ما جعل جلسات اليوجا توضع ضمن سبل العلاج والاستشفاء النفسي، أو ما يسميه البعض – وأنا أختلف مع هذه التسمية – العلاج بالطاقة.

يجدر بالذكر أني اختبرت هذه المشاعر وتغلبت على الكثير من مخاوفي، فهل نبأتك هذه المساهمة بأنك ربما شعرت بشيء مشابه عندما انسجمت مع الموسيقى؟

وهل لديك الاستعداد – بعد أن قرأت – بأن تختبر هذه المشاعر الدافئة والعميقة؟