إن أكثر سؤال كان يأرقني طيلة حياتي السابقة : هو إذا كان الله خير لماذا يسمح بوجود الشر إذن؟ كيف لله أن يخلق الشر ويحاسب الناس عليه ؟

بقي هذا السؤال يأسرني رغم أني قرأت العديد من الكتب الفلسفية وغير الفلسفية عنه، مع ذلك بقيت كل الإجابات تبدوا متناقضة بالنسبة لي، حتى صارت حادثتين مهمتين العام الماضي، حادثة طوفان الأقصى باعتباره الشر المطلق الذي لا يمكن تجاهله، والحادثة الثانية هو بحث كنت أقوم به حول عقلية المجرمين والقاتيلين المتسلسلين، تبين لي بعد هذين الواقعتين، أن الخير والشر غير موجودان أصلا، واستوعبت أخيراً رأي نيتشه استيعاباً واقعياً ويقينيا، بأن نُسميه “خيرًا” أو “شرًا” هو بناء ذهني نُشأ على قواعد ثقافية ومصالح جماعية، أنه أمر نحن من صنعناه بأنفسنا وصدقناه، وأخيرا أدرك أن نيتشه فعلا على حق ، عندما قال أن الخير والشر ليسا خصائص مطلقة للأفعال، بل هي مجرد “تفسير أخلاقي للظواهر” أي أن الناس يضفون قيمة الفعل بناءً على رؤيتهم وموقعهم من الفعل نفسه

يقول نيتشه بصريح العبارة :

“There is an old illusion. It is called good and evil.”

أي أن هذه التفرقة ليست إلا وهمًا قديم جدا اخترعه البشر لكي يسهلوا عليهم تقبل آلام الحياة، كذلك، يشرح بأن ما نعبتره خير أو شر هو مجرد أسماء أو رمزيات دلالية لا حقيقة ثابتة ورائها إنه أحمق من يبحث عن المعرفة والحقيقة فيها.

باختصار، الخير والشر ليسا سوى نتائج لاختلاف زويا النظر بين الناس، اختلافات تعود خلفياتهم الثقافية والعاطفية، ما يُعدّ في مجتمع خَيّر في نظرهم قد يُصنّف في مجتمع آخر شرًّا، والعكس صحيح، ما يعده المجرم حقاً أو خيراً يعده القانون شراً، ما يعده الكبار شراً قد يعده الأطفال والمراهقون أمرا عادياً .