هل نحن فعلاً نملك ما نعتقد أننا نملكه؟

هل الجسد لنا؟ أم نحن مجرّد ضيوف فيه؟

وما هذا الوعي الذي نعيشه… أهو نحن، أم مرآة لما هو أعمق؟

منذ أن بدأ الإنسان يعي وجوده، وهو يصطدم بأسئلة لا تنتهي.

كل شيء يبدو مألوفًا، حتى ندقق فيه… فنرتبك.

نقول "أنا"، لكن من هذا "الأنا"؟ الجسد؟ العقل؟ الشعور؟

نقول "الواقع"، لكن من يضمن أنه ليس حلمًا طويلًا؟

نقول "أدرك"، لكن هل كل ما لا نُدركه وهم… أم أن الإدراك نفسه قاصر؟

في هذا المقال، محاولة للسير بين هذه التساؤلات،

ليس بحثًا عن أجوبة جاهزة، بل لإعادة ترتيب علاقتنا بذواتنا،

بالجسد الذي نحيا فيه، وبالوعي الذي نحس به،

وبالخالق الذي لا نُحيط به، ولكن نخشع له عند كل حدّ نبلغه.

في زحام الأسئلة الكبرى التي تتصارع في داخل الإنسان، يبقى سؤال الوعي والوجود من أعمق ما يمكن أن يلامس جوهر الذات. من أين جئنا؟ من نحن؟ هل نحن أكثر من أجساد نتحرك بها؟ هل وعينا هو نحن، أم مجرد انعكاس لما نُدركه ونعيشه؟

في رحلة تأمل داخلي، نكتشف أن الإنسان لا يملك شيئًا تمامًا، حتى جسده، الذي كثيرًا ما ينسبه إلى نفسه، ليس سوى أمانة مؤقتة. قد يشعر الإنسان أنه يمتلك رجله أو يده أو عينيه، لكنه يعجز أمام قدرة الله المطلقة: لا يستطيع أن يخلق شعرة، أو يمنع موت خلية. الشعور بالملكية لا يعني الملكية الحقيقية، بل هو مجرّد وهم مؤقت.

ومع ذلك، يُحاسب الإنسان على ما يصنع بهذا الجسد. لماذا؟ لأن التكليف لا يقوم على التملك، بل على الأمانة والاختيار. الإنسان ليس حرًا في ملك مطلق، بل حرّ في نطاق ضيق: كيف يستعمل ما وُهب له.

الوعي هنا يلعب دوره. هو البوابة التي من خلالها يبدأ الإنسان في إدراك العالم من حوله، في التفريق بين الحلم واليقظة، بين الخيال والواقع. في الحلم، قد نعيش مشاهد كاملة، ونشعر، ونخاف، ونبكي، ولكننا لا نتحكم، لا نختار، لا نُغيّر. أما في الواقع، فكل فعل نختاره هو حُجّة علينا أو لنا.

غير أن هذا الوعي، مهما علا وارتقى، يبقى محدودًا. لا يمكنه أن يُحيط بالله، ولا أن يستوعب ماهية الروح، ولا أن يخترق الغيب. هو مجرد شعلة ضوء، مُنحت للإنسان لكي يرى بها الطريق، لا ليخلق النور. الإنسان قد يشعر بعظمة الله، ويتأمل في آيات الكون، فيدرك أن هناك قوة أعظم من أن تُدرَك، لكنه لا يستطيع أن يُحيط بها علمًا.

وهنا تظهر الفوارق:

النفس هي الكيان الكامل: فيها الوعي، الإدراك، الرغبة، والخوف، وهي التي تُكلّف وتُحاسب.

الوعي جزء من النفس، يرتبط بما نعيشه ونشعر به، ويتفاعل مع المحيط لحظة بلحظة.

الروح سرّ من أمر الله، لا تخضع لنا، ولا لوعينا، ولا لعقلنا. تخرج بأمر الله وحده، دون إذنٍ منا، ولا حتى معرفة.

والكون؟

لا يقوم بنفسه، ولا يستمر بذاته. إنما يُديمه الله. لو أن الله تركه، لفني. بل إن استمرار وجودك الآن، واستمرار إدراكك، مرهون بلحظة من الرحمة الإلهية. لو شاء الله، لسقط كل شيء في ظلام العدم. هذه الحقيقة، لا تُدرك بالعقل وحده، بل بالشعور الذي يتجاوز حدود الكلمات.

إدراك الإنسان لعجزه هو أول درجات الحكمة. لا ليرضى بالعجز، بل ليتواضع أمام الله، فيعرف مكانه، ويعرف ربه. وهنا فقط… يبدأ الوعي الحقيقي.

> ما رأيكم؟ هل ترون أن الوعي يسبق الجسد أم يتبع إدراكنا له فقط؟

شاركوني تأملاتكم...