تبدأ حكاية هذين السؤالين من أزمة لم يصل البشر فيها إلى حل حتى الآن ويمتد عمرها لما قبل الآن بأكثر من عشرة آلاف سنة ، ألا وهى أزمة " الملكية " ؛ فقبل ظهور الزراعة كانت مسألة الملكية للأرض أو للنساء أو للعبيد غير ذات جدوى إلا فى النذر اليسير الذى ينبع من نقص الموارد الطبيعية لقبيلة عن أخرى فتغير عليها سالبة رزقها و نسائها ، لكن كان يكفى أن يصطاد الشخص ليأكل الباقون من قبيلته دون أن تكون هناك حاجة للملكية الفردية للفريسة أو للسكن واحيانا كانت النساء مشاعا ، والأمثلة هنا كثيرة و متعددة : هنود أمريكا الشمالية حيث لا يعرفون شيئا عن الملكية - الاسكيمو حيث لا يرون ان للصائد حق فى صيده بل يلزم توزيعه على اهل القرية جميعا - اهالى بيرو و صيد الحيتان . ( ومصدر الأمثلة وفيه أكثر من ذلك - قصة الحضارة - ول ديورانت )
أما بعد ظهور الزراعة حدثت ثورة فى هذا المفهوم نتيجة لأهمية الأرض ؛ فلم تعد الأرض مجرد مأوى بل أصبحت هى مصدر الرزق ، مصدرا جديدا غير الغارات على القبائل الأخرى أو الصيد فى البرية و البحر ، أصبحت مصدرا للاستقرار فملكية الأرض بدأت هنا كجل وكل الرأسمال المتاح للجماعة لتباشر نشاطها الاقتصادى على نطاق أكثر رخاء لها ، ومن هنا أيضا بدات عملية وفرة فى الموارد الاقتصادية من خلال الزراعة ، ليصبح الصراع على الأرض هو الأكثر أهمية .
ومنذ هذه اللحظة بدأ الاجتهاد الشخصى من أجل تركيم الثروة ، وكان الطريق لذلك هو القوة و السلاح لتسيطر القبيلة على الأخرى محتلة أرضها ومائها ورزقها و نسائها ، و يصبح القائد هو الأكثر استحواذا على الرأسمال المتمثل أولا فى الارض ثم فى النساء ثم تظهر أهمية العبيد كعنصر اساسى فى العملية الاقتصادية ويصبح الاستحواذ عليه جزء لا يقل أهمية عن الاستحواذ على الأرض و هكذا تتدرج الهيمنة فى الاستفحال لتزداد الفروقات بين الطبقات ، وينشأ تنظيم اجتماعى مختلف عماده الأرض و العبيد ، وعلى مدار مئات السنين ظهرت محاولات فكرية عديدة تؤسس للعلاقة بين السيد و العبد ، الحاكم و المحكوم ، الزوج و الزوجة ( فحتى هذه المسألة لها تنظير تاريخى كبير يطول شرحه ) ، وجميعها فى جوهرها تنبع من مسألة واحدة " تنظيم المليكة " ( اخضاع الضعيف العاجز لمشيئة القوى الماهر ) .
؛ فمن الملكية الشيوعية التى ظهرت قبل الزراعة ولم تكن مستحدثة فى عصرنا ، لكنها عجزت أن تكون حلا فيما بعد ذلك حيث ظهرت الحاجة الملحة للملكية الفردية كنتيجة مباشرة للوفرة الاقتصادية الحاصلة فى حياة الشعوب التى اكتشفت الزراعة ، فمن يزرع أرضه يأبى مع الوقت أن يشاركها لغيره إلا من خلال المقايضة نظرا للمجهود الذى قاموا به للحصول على الغذاء ونظرا لقدرتهم على المقايضة رغبة فيما لدى الغير من أنواع مختلفة من الغذاء أو الكساء ونحوه و يظهر التبادل الاقتصادى ليتدرج مع الوقت و يصبح أساس العلمية الاقتصادية برمتها .
ثم ظهرت ملكية الدولة كبديل للملكية الشيوعية لتقوم الدولة بعملية التوزيع ، مما أدى إلى ظهور العديد من المساوئ والاجحاف بحقوق الكثيرين وأدى إلى خلل عظيم فى توزيع الثروة ، بالرغم من أن هدفها هو الحفاظ على حقوق الطبقات العاملة حتى لا يختل التركيب الاجتماعى بزيادة الفروقات بين البشر إلا أن الاشتراكية لم تحل هذه الأزمة بل زادتها ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، ضعف الحافز للانتاج حيث يتقاضى الجميع نسبا متساوية فلا حاجة للإفراط والانهماك فى العمل لأنه لا يوجد تركيم للثروات وهذا عيب خطير استتبع معه ضعف فى جودة الانتاج و البحث العلمى ، إذ الدول الرأسمالية فى المقابل كانت فى سباق تنافسى من أجل تركيم الثروة و السيطرة على الاسواق ، وكذلك تعقيد طرق الادارة مع تشعب الحياة وكثرة مجالات النشاط الاقتصادى مما استتبع فتح باب للفساد كافيا لسرقة جبال الذهب و الفضة ، وكذلك ضعف قدرة التخطيط المركزى فى كثير من الأحيان كأنها قتل للابداع فى عملية الانتاج .
الملكية الفردية ونحن فى أوجها الآن ، و مع تعاظم الفلسفات و الكيانات القانونية التى أزالت العديد من العوائق أمام للملكية الفردية ، أصبح فى إمكان عدد قليل من الشركات أن يمتلك ربع ثروة العالم فاستطاعوا أن يرسموا كافة القوانين التى تؤهلهم من امتلاك الشعوب الاضعف و تسخيرها لخدمتها بل واستلاب مواردها دون أدنى رادع ليختل ميزان التنظيم الاجتماعى مرة أخرى ولكنه الآن خللا عظيما نستشعره بوضوح من خلال الأزمات الاقتصادية التى تطيح بالعديد من الشعوب ومن خلال صفقات السلاح التى من أجلها تشب الحروب كالحرائق فى كل أرجاء الأرض و يزيدها سوء صراع الجبابرة الحادث الآن .
وهكذا تظهر أزمة الملكية كأزمة فلسفية فى المقام الأول ، تعن بسؤال : إلى مدى يمكن للانسان أن يتملك ... كما و كيفا ؟؟؟؟ ليندرج تحت هذا السؤال العديد من الأسئلة الأخرى .
وهكذا تبقى أزمة تنظيم الملكية ( أرض - أموال - عماله - بحث علمى ) هى أزمة الأزمات فى حياة البشر من وجهة نظرى ، إذ من خلال تنظيمها يعاد تكوين التنظيم الاجتماعى ككل وهو ما يعنى إعادة التكوين الحضارى ، و المفترض أن تكون الحضارة مؤدية إلى إحترام الانسان وفهمه لا استغلاله و قمعه ، وهو ما يعنى فى تقديرى الشخصى أن البشر مازالوا رغم كل هذه السنين فى الخطوة الثانية فى حياتهم لم يتجاوزا بعد ... حل أزمة الملكية لخلق عالم أفضل يستطيع أن يعيش فى تناغم .
فى رأيك ما تقديرك لهذه الفرضية ؟؟؟؟؟؟ .... وجهات نظر
التعليقات