دعوني أنقل لكم أغرب حقيقة وتجربة وصل إليها العلم الحديث وهي تجربة الكون الواعي، فبعد أن كان الوعي خاصية إنسانية بحتة، توصلنا اليوم إلى أن الكون كله يتصف بسمة الوعي حتى أصغر الفوتونات تتحرك بحركة واعية، فلم يعد الوعي مرتبط فقط بتفاعلات الذماغ بل بإتساق الكون وقوانيه، وهنا تتفجر من جديد المعظلة التي لم نجد لها حل من قبل أصلا، وتبرز من جديد الأسئلة الأزلية: ماهو الوعي؟ هل وعي البشر يختلف عن وعي الحيونات الأخرى ؟ هل صحيح فعلا المادة لها وعي حقيقي؟ من أين يأتي الوعي أصلا؟ هل هناك مخلوقات في عوالم أخرى يمكن أن يكون لها مثل هذا الوعي؟ ماهو الفرق بين الوعي والشعور والإحساس؟ هل يمكن أن تصل الروبوتات والحواسيب الى الوعي؟

ديكارت كان اول من طرح سؤال الوعي بشكل حاسم وواضح حين قال بأن هناك مادة وفكر منفصلان عن بعضيهما لكنهما يؤثران في بعضيهما بشكل مباشر، ثم سرعان ما يتدخل العلم الحديث لمحاولة تحديد الوعي، لكنه لم يصل الى ابعد من توصيف أو تكهن، بأن الوعي هي تفاعلات كميائية كهربائية في الدماغ تحدث بوتيرة معينة.

لنكون دقيقين موضوع الوعي ليس موضوعا لأجابات بقدر ما هو موضوع للتساؤلات التي تجر أذيال بعضها بعضا كلما حاولنا فهم واحدة منها، لذلك لا نستغرب من أن العديد من العلماء المفكرين والفلاسفة لا يدخلون في مواجهة واضحة مع الموضوع بل يحيدون عنه إلى مشكلات فرعية فيه، أو يأخذونه بمفهوم خاص جدا له علاقة بنسقهم الفكري، فنجد مثلا ماركس بأن الوعي هو البنية الفوقية التي تحمل عمق النشاط الإنساني، وهو أساس الإنتاج ، وهو تأويل اقتصادي اجتماعي لمعنى الوعي، في حين أن هيجل مثلا يعتبر بأن الوعي هو الحركة العامة التي تحكم التاريخ، وهو طرح تاريخي لفكرة الوعي، ستأتي الفلسفات الوجودية لتقول بأن الوعي هو الحضور في الآن، وهو تفسير وجودي للفكرة، وتأتي الفلسفات العدمية لتقول بأن الوعي هو شيء مستقل تماما عنا ويمكن أن نعيش بدونه ولسنا بحاجة له حقيقة لنحيا، بل يصل البعض إلى اعتباره مجرد وهم ومصطلح فارغ اخترعه البشر ليوهموا أنفسهم بالعلو والتميز.

في رأيك : هل الوعي موجود فعلا؟ ما هو؟ وفينا يختلف وعينا عن وعي بقية الكائنات؟