(وكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ* وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) [يوسف:105-106]

نحن أمة نحيا ، ونموت، دون أن نتفكر.. سواء عشنا حياة بسيطة، أو في رغد العيش نحن لا نتفكر.. سواء جلسنا نستظل تحت سقف بيوتنا،أو تنقلنا في أرجاء المعمورة ًسياحة، وسفراً أو تجارة لا نتفكر.. سواء إخترقت الأحداث بيوتنا عبر الشاشات بكل ما فيها من كدر، أو سمعنا بما يصم اﻵذان منها لا نتفكر.. سواء عشنا اﻹنقلاب التكنولوجي، أو ما قبله من بدائية في أجهزة التواصل ،وفي المواصلات ايضاً لا نتفكر.. في الفقر،وفي الشدة تضيع حياتنا حسرة وحزن، على ما فاتنا دون أن نتعظ ، أو نتفكر أو نتغير.. وفي الغنى تسرقنا الدنيا بمُغرياتها، ونتسابق لجمع المال فيها،ونغرق في ملاذاتها وغفلتها ﻷننا لا نتعظ ولا نتفكر…

يحصل زلزال هنا، ودمار هناك، وينفجر اعصار دون سابق إنذار، يأتي ليعطينا البرهان على قدرة الله ، وليضرب لنا المثل, فيمر وكأن شيئاً لم يكن قد حصل، وكل ذلك يمر أمام أعيننا ويذهب دون أن نتفكر…

أصبح تفكيرنا محصور في توفير لقمة العيش، أو في إستغلال وجودنا في هذه الدنيا بأي طريقة ، وبأية حياة، قبل الخروج منها دون أن نتفكر…

دون أن نقف على خلق السموات والأرض وما بينهما، ودون أن نقف على غاية وجودنا في هذا الكون، ودون أن نُدرك أن ما حصل لنا من همْ وغمْ، انما هو نتيجة إتخاذنا الشيطان ولياً من دون الله في التحكيم بين البشر…

ونحن لأننا تعودنا أن نتذوق دون أن نشارك فيما يُطبخ لنا لا نتفكر…

سُرقت أرضنا، دون حرب مع العدو تُذكر، واكتفينا في الشجب واﻹستنكار عبر عقود من اﻹحتلال بعد أن تم تثبيت أركانه في الهيئات الشيطانية الدوليه، وتجاوزنا تلك المرحلة من الشجب إلى التطبيع مع العدو، إلى اﻹعتراف به، صديقاً وجاراً حتى أصبحت الخيانة شرفاً، والخائن حكيماً ونزيهاً، وكل ذلك حصل دون أن نتفكر، ولا كيف حصل…

نعيش حرباً من الله علينا بما كسبت أيدينا وأيضا ندير أظهرنا لها، ولا نتفكر…

جاءت أحداث العراق، وسوريا، لتكشف الغطاء عن سوء نوايا إيران المجوسية وعن خطورة معتقدها الذي اتخذت من خلاله شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله حُجة للإنقضاض على المشروع السني الجهادي، وتمرير الذبح في أهل السنة عبر أكثر من عقد، وللإقتصاص ممن هدموا الإمبراطورية المجوسية، ولا زال بيننا من يتصدى للدفاع عن الشيعة رغم كل ما حصل، ويُتهم من يُكفرهم بالخوارج وأكثر،لأننا أمة لا تريد ان تتفكر…

ألا يكفينا التجارب التي خضناها لكي نتعظ ،ونأخذ العبرة منها ونتفكر..

فلا العلمانية الشيطانية، ولا الليبرالية أثبتت نجاعتها، ولا الشيوعية، والماركسية التي اثبتت فشلها في عقر دارها، كنظام حياة بعد أن طبل لها اتباعها وزمرْ، صمدت,ولا التجربة الديمقراطية، الرأسمالية التي حكمت الشعوب بتسلط القوي على الضعيف، وأحلت كل المُحرمات حتى أصبحت الشعوب كالانعام أفلحت…

فكيف نؤمن بتجارب بعيدة كل البُعد عما يناسب البشر…

ألا تتفكر أن هذه التجارب حُجة على ضعف المخلوق وعجزه، في سعيه في التدخل في وضع قوانين ناقصة بنقص عقله المحدود، لم تجن على الأمة إلا الدمار لأنه لا يريد الاحتكام إلى خالق الاكوان وشارعها…

لو أمعنت النظر، وأطلقت العنان للتفكير، لفهمت الغاية من إبعاد البشر عن دينهم ومعتقدهم لكي يُروجوا لحُكم الشيطان، ويستتب الأمر بعد ذلك للمغضوب عليهم، والضالين من البشر…

من لم يتفكر لن يفلح في معرفة خالقه، ولن يُدرك عظمة الإسلام، وطُهره وعفته، والفرق بينه وبين حُكم البشر، ولن يُدرك أن من يخلق، كمن لا يخلق…

إذاً هو تعطيل للفكر عن عمد حينما تهدر طاقات التفكير في نواقص الأمور، وتوافهها ،لكي لا يتفكر صاحبها في خالق السموات والأرض،ثم لكي لا يُدرك أعدائه من بين البشر…

ثم ليتم بعد ذلك إبعادهم عن مُوالاة ربهم ، ويُصبح ولائهم للشيطان الرجيم، ويسهل بعد ذلك فصل الدين عن الحياة، ومن بعدها فصل السياسة عن الدين حتى يسهل تعطيل شرع الله ، ومن بعده إخضاع البشر..


وهذا ما حصل

وصلنا إلى مراحل متقدمة من الفُجر، والدياثة حتى أصبح زماننا هو الزمن الجامع الشامل لكل فواحش الأمم السابقة التي اختص كل زمان بواحدة منها…

ألا تتفكر بأن هذا ما كان ليكون لو أنها أقيمت حدود الله على السارق، والفاسد، والقاتل وقاطع الطريق، والمُروج للفاحشة، والفجار من البشر…

ألا تتفكر أنه هل كان يمكن أن نصل إلى ما وصلنا إليه من إنحلال، وإنحطاط أخلاقي، لو أنه تم تحكيم شرع الله في الشارع والمؤسسات وفي كل مكان، وأقيمت حدود الله رغماً عن كل البشر…

ألا تتفكر بأنه هل كان يمكن أن يخرج علينا أو أن نرى أشكال ممسوخة، عبر وسائل الاتصال كالتي أطلت علينا عبر شاشات التلفاز وغيرها, بعد الثورات التي أجهضت، والتي هب اتباع الشيطان الرجيم ﻹسترجاعها عقب الثورات خوفاً من قدوم الإسلام، أن يخرج من هذا الإعلام من يُسوق للعهر, ويُحارب الله ورسوله علانية لو طُبقت حدود الحرابة في أمثال هؤلاء المجرمين.. أو هل تجرأ أحد على التطاول على شرع الله وعفته لو أُرهب هؤلاء الكفرة وكانوا عبرة لمن اعتبر…

ألا تتفكر أيها المسلم إلى أي طريق ستصل بك العلمانية أكثر من ذلك الطريق المغلق الذي سارت بك إليه، حتى ضاعت معها قيمنا، وأخلاقنا، وعاداتنا وتقاليدنا، بعد أن كُنا خير البشر, بعد أن أصبحت الفاحشة يُعمل بها علانية عبر وسائل التواصل، وعبر الأماكن المكشوفة، وبعد أن أصبحت المثليه تحت حماية القانون…

ألا تتفكر أنه لا بد من حلول لهذا البلاء وتلك المحن، التي حلت على البشرية بفعل تدخل البشر،أم أنه ما دام الأمر لا يعنيك فلا ينبغي أن يعنى به أحد من البشر…

ألا تتفكر بأن الحل الوحيد لما نحن عليه،وفيه…

هو الرجوع إلى تطبيق حدود الله،التي عُطلت مع سبق الإصرار والترصد، والوقوف مع من يدعو إلى إقامتها، وتطبيقها، وفرضها في الشارع والمؤسسات، وجعلها فوق أي قانون حتى يُطهر البشر، وحتى تأمن على أولادك وأولاد المسلمين من شر مستطير لا قدرة لأحد على دفعه بعد هذا الانقلاب الشيطاني الشامل الذي حصل…

ألا تتفكر تلك الأحزاب التي تنسب نفسها إلى الإسلام، بعظم مُصابها في نهجها، حينما وضعت حلول مستقبلية لخطط أثبتت فشلها على المدى الطويل، حينما أهدرت الطاقات ، والوقت والجهد، في إصلاح الفرد، مُدعين أن إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح الفرد ، وليس متوقف على صلاح الحاكم مع انه كما قال عمر رضي الله عنه

(ان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)


إذا حكم بشرع الله

وفي هذا تغييب لوعي الشعوب، لإستحالة أن يستقيم حال الأمة دون حاكم صالح يفرض قانون الله في الأرض، كما فُرضت القوانين الوضعية نفسها بالقوة، والجبر على البشر من خلال حكام طواغيت ولائهم لغير الله، وتسببت في انحطاط البشر، مع الفارق بين الثرى والثريا…

لكي تطهر بعد ذلك كل أركان الدولة، وكل مؤسساتها، ومن ثم يسهل تطهير الأفراد وإصلاح المجتمع, وليس العكس الذي فيه استمرار لخدمة العلمانية المقيته التي دعت إلى فصل الحياة عن الدين، من خلال الحاكم الذي بيده سلطة القوة والجبروت، وفيه تثبيت لأركان الحاكم المُحارب لله ورسوله، وتعطيل للجهاد وتسويق لاستمرار تردي الحال…

ألا تتفكر أيها المسلم بالمصيبة الكبرى حينما خلت الحياة من العلماء الثقات الذين لا يخشون في الله لومة لائم،إلا من رحم ربي حينما أصبح أغلب العلماء جزء من منظومة الحُكم ، يُقرون للحاكم ما تشتهي نفسه وهواه ، ويثبتون أركان دولته بفتوى الزور والبهتان…

فتوى عدم جواز الخروج عن الحاكم مهما حصل…

ألا تدرك بعد كل هذا الخراب، وهذا الدمار بأهمية خروج فئة خالصة لله عرفت ربها، وعرفت مستلزمات إيمانها لن تقبل باستمرار الذبح بأمتها، والجميع ينظر دون أن يتفكر…

فئة ستنقلب على كل هؤلاء الأعداء، انتصاراً لله رب العالمين، لأنها أدركت أعدائها، وحملت همْ أمتها حينما أدركت أن تسليم أمرهم للأمم المتحدة، ومجلس الأمن هو الاستسلام بعينه لأعداء الدين، وفيه الشرك الأكبر، وفيه القبول بالولاء لغير الله رب العالمين، وفيه التبرؤ من ذروة سنام الاسلام، وهو الجهاد، وأنها لا بد أن تهب لتنقلب على هذه الأدوات العلمانية ولا تقبل التفاوض معها، لأنه أدركت من خلال تفكرها أنها العدو الأول الذي يجب اﻹقتصاص منه لا التفاوض معه فلذلك،

ولأجل أننا أمة لا تتفكر وتركت لأعدائها حرية التفكر عنها…

يجب أن نترك الفئة التي تبنت التفكير عن الأمة ، لتأخذ فرصتها في محاولة إعادة السفينة الى بر الامان، بعد أن تاهت في البحار، والمحيطات دون أن نتدخل لأننا أصبحنا أمة كالانعام بل أضل سبيلا بعد أن فقدنا بوصلة التفكر

(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )]الاعراف:179[

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِالَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِرَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)]ال عمران:190-192[

بقلم:رحاب أسعد بيوض التميمي


المصدر