يمكن أن يطلق على هذا العصر عصر الصورة؛ لأن الصور صارت تنتج مليارات المرات كل يوم، وتحكي أكثر من لغة اللسان، وتؤثر أحيانًا في القلوب أكثر من تأثير الرصاص.

أحببت أن نتأمل في بعض الإملاءات والإيحاءات الإسلامية في موضوع الصور حتى نُكوّن وعيًا ملتزمًا تجاه هذا السيل التأُثيري الجارف:

أولاً: يوجد خلط بين التصوير المحرّم والتصوير المتعارف عليه بين الناس، فالتصوير في الأصل نوع من الخَلق أو التشكيل، بينما التصوير المتعارف عليه هو عكس أو حبس للظل، فأحدثت هذه التسمية لبسًا، وكان من الأولى أن تغيّر هذه التسمية عند الناس حتى تكون مطابقة لمعناها اللغوي وحقيقتها

ثانيًا: التصوير محرّم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصوّرون"

ثالثًا: سبب تحريم التصوير أنه مضاهاة لخلق الله؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي: "ومن أظلم ممن ذهب بخلقي كخلقي" كما أن صنع الصور وأعظمها التماثيل يمكن أن يؤدي إلى تعظيمها وعبادتها.

رابعًا: هذا العذاب خاص بالمصوّر، وليس عامًا بمن يضع هذه الصورة أو ينشرها؛ لكن يُخشى على واضعها وناشرها أن يدخل في هذا الوعيد من باب رضاه وموافقته، ومن باب أنه إعانة على الإثم والعدوان

فعلى الإنسان أن يجتنب طلب رسم نفسه من الآخرين، أو ينشر الصور المحرّمة أو يقتنيها.

خامسًا: التصوير المحرّم يشمل صنع التماثيل ورسم ذوات الأرواح.

فأما صنع التماثيل فهو أمر واضح، ولا يمكن أن يصدق النهي عن التصوير على أمر أكبر منه، لأنه لا أكبر منه في أمر التصوير.

وأما رسم ذوات الأرواح فهو داخل في التحريم لحديث عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب، فلم يدخله، فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة.

سادسًا: الصور غير المحرمة التي هي عكس أو حبس للظل، يحرم منها ما اشتمل على محرّم، ومنه:

·        نشر صورة محرمة كصورة صليب أو قبر بنيت عليه قبة لتعظيمه أو ما شابه ذلك إذا لم يكن فيه مصلحة لنشره.

·        نشر صورة امرأة متبرجة أو أي جزء من أجزاء جسمها.

·        كما تعلمون فالمسلمون مختلفون في وجه المرأة هل هو عورة، لكن على قول القائلين بجواز كشف الوجه فالأولى بالمرأة أن لا تظهر صورتها لعموم الناس وهي متحجبة لغير حاجة؛ لأن الرجال يتأملون وجه المرأة في هذه الصورة، وقد يقعون في الفتنة، فوجه المرأة أجمل ما فيها، لا سيما إذا قارنها تحسين لوجه المرأة بالمكياج وغير ذلك.

ولو رأى رجل رجلاً آخر يتأمل وجه امرأته لغار وثار، فكيف تتيحه المرأة لتأمل البرّ والفاجر! فلو استبدلته بصورة وردة أو منظر طبيعي لكان أسلم لها ولغيرها.