ذنْبٌ إلى الجنة، وطاعةٌ إلى النار!

تمهيد:

جملة تهزّ القلب:

"إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة، ويعمل الحسنة يدخل بها النار."

كلمات قالها بعض السلف، وفصّل معناها الإمام ابن القيم رحمه الله، ليكشف بها سرًّا من أسرار السير إلى الله… فليست كل حسنة منجية، ولا كل ذنب مهلكًا.

أولًا: كيف يدخل العبد الجنة بذنب؟

لأن الذنب، إذا أورث العبد انكسارًا وتوبة وخوفًا ومراقبة دائمة، صار هذا الذنب بابًا إلى القرب من الله.

فمن رحمة الله بعباده:

  • أن يُعقِب الذنب انكسارًا.
  • ويجعل من الضعف بابًا إلى القوة.
  • ومن المعصية سُلّمًا إلى الولاية!

قال ابن القيم:

"فتح له من أبواب التوبة، والندم، والانكسار، والذل، والافتقار… حتى يقول عدو الله: يا ليتني تركته ولم أوقعه." (ابن القيم- الوابل الصيب: صفحة 6-7)

الذنب الذي يُطهّر:

  • يجعلك ترى نفسك على حقيقتها: ضعيفًا، مفرّطًا، محتاجًا.
  • يطهّر قلبك من الكِبر والعُجب.
  • يملأ ليلك بالبكاء، ونهارك بالرجاء، وعُمرك بالحذر.

وهكذا… ينقلب الذنب إلى نعمة، لا لذاته، بل لما ترتب عليه من يقظة وتوبة وصدق في العودة.

ثانيًا: كيف تدخل الحسنة صاحبها النار؟

عندما تقود إلى العُجب والفخر.

الحسنة التي:

  • تجعلك ترى أنك أفضل من الناس.
  • تجعل لسانك يلهج بـ "أنا صمت… أنا قرأت… أنا أنفقت…"
  • تظن معها أن لك حقًّا على الله!
  • تستطيل بها على العباد وتزدري غيرك…

هذه الحسنة ليست طاعة، بل مصيدة من مصائد النفس، وغفلة عن المنّة.

قال ابن القيم:

"يفعل الحسنة، فلا يزال يمن بها على ربه، ويتكبر بها، ويرى نفسه، ويعجب بها… فيورثه من العجب والكبر ما يكون سبب هلاكه."

ثالثًا: الميزان الحقيقي عند الله:

الله لا ينظر إلى ظاهر الطاعة فقط، بل ينظر إلى:

  • النية التي حفّتها،
  • والأثر الذي ترتب عليها،
  • والحال الذي أنتجته في قلبك.

ولهذا:

قد تكون "دمعة صادقة بعد ذنب" أحب إلى الله من "صلاة جوفاء بعد طاعة".

رابعًا: الدرس العظيم:

  • لا تغترّ بطاعة… فربّما كانت سببًا للهلاك.
  • ولا تيأس من ذنب… فربما كان طريقك إلى الله.
  • المهم هو: ماذا فعل هذا الذنب أو تلك الحسنة بقلبك؟

قال ابن عطاء الله السكندري:

"رب معصية أورثت ذلًّا وانكسارًا، خيرٌ من طاعة أورثت عزًّا واستكبارًا."

خامسًا: كيف نُحسن التعامل مع الذنوب والطاعات؟

1. إذا أذنبت:

  • فابكِ ندمًا، وتُب بصدق.
  • لا تيأس ولا تبرر، بل تذلل وارجع.
  • اجعل الذنب حاجزًا يمنعك من العودة إليه.

2. إذا أطعت:

  • فاحمد الله، وقل: "اللهم لا تجعلها استدراجًا".
  • ولا تنسب الفضل لنفسك، بل لله.
  • وازدد خضوعًا، لا كبرًا.

خاتمة:

طريق الله ليس مفروشًا فقط بالأعمال الظاهرة، بل بالقلوب الصادقة.

فلا تغترّ بـ"ما فعلت"، ولا تيأس من "ما فرطت"، بل انظر دائمًا:

أين قلبي؟

فهو الميزان، وهو المحك، وهو ما يُقبل أو يُرد.

نسأل الله أن يجعلنا ممن إذا أذنب تاب، وإذا أطاع تواضع، وإذا نجح نسب الفضل إليه وحده.