﴿ رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ﴾ البقرة - 129

تضرع نبي الله إبراهيم عليه السلام إلى الله سبحانه وتعالى بهذه الكلمات التي تجسد فيض رحمته على أبناء مكة الطاهرة، بعد أن بنى بيت الله الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمنا، وتتابعت القبائل على البلد الأمين، آتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات.

الأرض قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم

في القرن السادس الميلادي، كانت جزيرة العرب على موعد مع تاريخ جديد، بعد أن قضت قرونا ذات عدد تتخبط في ظلمات الجاهلية، وما كانت لتختلف عن جاراتها من الإمبراطوريات العظيمة من فرس وروم، التي اختزلت الحضارة في تشييد قصور الأكاسرة والقياصرة وذوي السلطة والنفوذ، في حين استبد طواغيتها بالضعفاء من عامة الشعوب، وعاثوا في الأرض إفسادا وتعذيبا.

وما كانت هذه الإمبراطوريات لتصرف أبصارها نحو جزيرة العرب، فهي في أنظارها صحراء ممتدة، وبَوادٍ جرداء، يستوطنها قوم أميون من رعاة الإبل والغنم، تترامى إلى مسامعها أنباء من غارات القبائل، وحروب شعواء تمتد سنوات بسبب ناقة أو فرس.

ولم تكن جزيرة العرب بمعزل عن الحياة، فقد كانت الوفود من التجار العائدين من رحلة الشتاء والصيف تتناقل أخبارا متناثرة عن نبي منتظر من العرب، قد اقترب أوان مبعثه، يملأ الأرض عدلا ورحمة، بعد أن ملئت ظلما وجورا، وكان مكة ترى نفسها مهدا لرسالته، فهي أرض الله الحرام، ومحج العرب قاطبة.

 ليلة المبعث، وفجر الإسلام

وتمر السنون والأرض على حالها تلك، ينعم القوي بمباهج الحياة وزينتها، ويصلى فيها الضعيف جحيم الظلم والاضطهاد ، حتى تأتي تلك الليلة المباركة من شهر رمضان، فينزل الوحي على رجل من بني هاشم يتحنث في غار من جبال مكة الشاهقة، فتتصل الأرض الحرام بنور سماوي قرآني سما ببشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم نحو علياء النبوة التي لا تضارعها منزلة يرنو إليها إنسان.

وجاء الدين الحق، والنور المبين، فما مضى غير ربع قرن حتى تم أمر الإسلام في جزيرة العرب، التي كانت موئلا لآخر الرسالات.

وقد صور أمير الشعراء أحمد شوقي المشهد في صورة بديعة فقال:

أتيت والناس فوضى لا تمر بهم ... إلا على صنم قد هام في صنمِ

والأرض مملوءة جورا مسخرة ... لكل طاغية في الخلق محتكمِ

مسيطر الفرس يبغي في رعيته ... وقيصر الروم من كبر أصم عَمِ

يعذبان عباد الله في شُبَهٍ  ...     ويذبحان كما ضحيت بالغنمِ