الشرك بالله جل جلاله وتباركت أسمائه والظلم والذنوب كلها هي المادة المظلمة الخبيثة التي يستمد منها الشيطان اللعين طاقة الحركة والإحتراق , فهو لا ينفك عن الأمر والدعوة للعصيان والتمرد على الله تبارك وتعالى , لتكثر الفواحش والموبقات والمظالم والشرك والكفر ليزداد طاقة من آثار هذه المعاصي فيزداد احتراقه فيزداد حركة وضلالاً وغياً , ويبتعد عن شبح البرودة التي تؤلمه ألم الموت . فاللعين يحتاج للطاقة المتجددة كما نحتاج نحن الطعام والشراب بشكل متجدد ومستمر لا غنى عنه , فهو لا يأكل ولا يشرب مثلنا , ولكن فقدان النارية المتأججة والسمومية , تعنى فقدانه للطاقة الشيطانية 

ونحن في طبيعتنا البشرية الضعيفة لا طاقة لنا بطبيعة الشيطان الرجيم , فهو يرانا ونحن لا نراه وهذه كافية في زوال الندية والهزيمة قبل أتبدأ الجولة وهو متحرك دائماَ داخل طبيعة تأبى السكون والبرودة , مندفع بقوة الإحتراق دوماً عكس إتجاه الإيمان والتقوى والدين والفضيلة في كافة التفاصيل والكليات , كما أن لدية من الخطط والوسائل والإستراجيات والتكتيكات ما يتناسب مع الزمان والمكان والصيد المطلوب , والهدف المستحق منهم كل ذلك يجعلنا أمام عدوٍ ظلوم غاشم لا سبيل للرحمة والشفقة إلى قلبه أبداً , ولو أمكن منه الشفقة أو الرحمة لبني آدم لاتجهت طاقته الشيطانية للإفول , والبرودة , وهذا مؤلم له غاية الألم كأنه الموت كما سبق ذكره , ولذلك لا سبيل أبداً لزوال عداوته وشيطانيته , فهو مسجونٌ فيها وتملكه , ولذلك أمرنا ربنا جل جلاله وتباركت أسمائه بالإستعاذه منه دوماً , فنحن نستعيذ بالله تعالى وقدرته وقوته وسلطان كلماته التامة من هذا اللعين , ثم نتوكل على الله تبارك وتعالى في أمورنا , ومداومة الذكر والتذكر والتدبر في آيات الله تبارك وتعالى , وهذا حصننا وملاذنا وعصمتنا من هذا العدو الخبيث , ونحن عندما نفعل ذلك فإننا نطفئ ناره ويخبو سمومه , كأننا نقذفه بشلال من ماء بارد , والبرودة تؤلمه ألم الموت , فعندئذ فقط ينهزم عدو الله تبارك وتعالى ويولي الدبر , لا يلوي على شيء , وعندئذ فقط سنشعر بالسكينة والطمأنينة ـ والتي نفقدها عند غفلتنا عن ذكر الله تبارك وتعالى وبالتالي يحضرنا الشيطان بناره وسمومه وإحتراقه ـ وعندئذ فقط سنشعر بحلاوة المناجاة والصلاة بين يدي الله تبارك وتعالى ونسمع آيات الله تبارك وتعالى كأننا نسمعها لأول مرة , ولذلك لما غفل اكثر الناس عن ذكر الله تبارك وتعالى وأعرضوا عن كتابه وهديه شرعه المنزل ـ تلاوة وتحكيماً وإتباعاًـ استخفهم واستزلهم الشيطان وحضرهم ـ وحضور الشيطان مؤلم جداً للروح والنفس ـ فإذا حضرهم الشيطان ذهبت السكينة وولت الطمأنينة وحلت أضدادها ونقيضها في ساحة النفس والروح مما يسبب الألم النفسي والضنك , وضيق الصدر وحرجه, ونزيف روحي يوازي نزيف الطاقة عند الشيطان الرجيم لو سكنت حركته عن الغواية , وهذا الأثر لحضور الشيطان الرجيم لا انفكاك منه فهو لازم , ومترتب على الطبيعة المختلفة لكل من الشيطان والإنسان , قال الله تبارك وتعالى في سورة المؤمنون" وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ ٩٧ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحۡضُرُونِ ٩٨ " ولكن المؤمنين الخالصين من عباد الله تبارك وتعالى إذا حضرهم الشيطان ومسهم لفح ناره وسمومه هبوا مسرعين لذكر الله تبارك وتعالى وإعادة تحديث ذاكرتهم بعداوة هذا اللعين , فإذا هم مستبصرون بفضل الله تبارك وتعالى وأغلقوا أبواب حصونهم التي كانت مواربة وهم عنها غافلون , قال الله تبارك وتعالى في سورة الإعراف " وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٢٠٠ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ "٢٠١

وأما السواد الأعظم من الناس ـ ويا حسرةً على العباد ـ فلا أبواب ولا حصون ! والشياطين ترتع في ساحتهم , ويحضرونهم في كل شؤنهم وأحوالهم , مما يجعل آلامهم وبؤسهم وضنكهم يشتد , ونزيفهم الروحي مستمر , ولا يستبصرون ولا يتذكرون, نسوا الله تبارك وتعالى فنسيهم ووكلهم لأنفسهم ولطبيعتهم , قال الله تبارك وتعالى عن هؤلاء وسماهم بإخوان الشياطين في سورة الإعراف " وَإِخۡوَٰنُهُمۡ يَمُدُّونَهُمۡ فِي ٱلۡغَيِّ ثُمَّ لَا يُقۡصِرُونَ " ٢٠٢ وبدلاً من أن يستغيثوا بالله ويتوبوا إليه فيكفيهم ويشفيهم ويجدد لهم مدد روحي , ويا ليتهم فعلوا لأفلحوا ونجوا من خزي الدنيا وضنكها وعذاب الأخرة

 ولكنهم إزدادوا غياً إلى غيهم , وبعداً على بعدهم , فتهالكوا على الخمر والزنا وإطلاق العنان لشهواتهم لإماتة حواسهم لتسكن الآمهم , وهم في هذا الحال أبداً كالمستجير من الرمضاء بالنار ! حتى نفذ رصيدهم الروحي فماتت قلوبهم , وانطفئت كل مصابيحهم , فهم في ظلمات لا يبصرون , صم بكم عمى فهم لا يرجعون , وهم أضل سبيلاً من الأنعام , والله تعالى يحي من يشاء منهم بفضله ورحمته , والله ذو الفضل العظيم . 

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ 

بعد إبعاد الشيطان الرجيم وطرده من جوارنا ونفيه خارج حدود نورنا المنبثق من إيماننا بالله تعالى وأعمالنا الصالحة , تأتي التحلية بعد التخلية , فنبدأ باسم الله تبارك وتعالى الذي هو أعظم الأسماء , الذي تحل به البركات , وصيّب الرحمات , وتُسكب من ذكره العبرات, ونعيم الدنيا والآخرة في ذكره والثناء عليه قولاً وعملاً واعتقاداً , والرحمانية من أعظم الأسماء وأخصها بالله جل جلاله وتباركت أسمائه , فلا يتسمى به غيره , وهو من أوسع الأسماء الحسنى معنىً وآثاراً في الخلق , ولذلك وصف الله تبارك وتعالى الإستواء على أعظم مخلوقاته , بأعظم أسمائه وصفاته , قال تعالى في سورة طه " ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ ٥ " والرحيم أخص أثراً في الخلق ومعناً , فالرحمانية تشمل كل المخلوقات والممكنات خلقاً وإعداداً وإمداداً ورعايةً وإحاطة وهى أكثر تعلقاً بالربوبية الشاملة المحيطة بكل المخلوقات والممكنات , أما الرحيم فهي أخص وتعلقها بإلاهية اكثر , وتعلقها بالمؤمنين المخلصين أكثر من غيرهم وأخص , قال تعالى : " هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا ٤٣ " الأحزاب

هذه بعض الخواطر التي جالت بفكري عندما نستعيذ بالله العلي العظيم من الشيطان الرجيم عندما نريد قراءة القرآن الكريم