ونعتقد أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه جبريل عليه السلام بالقرآن الكريم نطقاً وصورة للآيات الكريمة كما هي في أم الكتاب بهذا الرسم والهيئة , وكانت صورة الآيات الكريمة تنطبع في ذاكرته فلا ينساها أبداً , ويأمر كتبة الوحي بكتابتها كما هي في أم الكتاب, ونعتقد أنه كان يقرأ القرآن الكريم , المكتوب في الصحف , ويعرف كلماته وحروفه , ولم يكن قبل الوحي والرسالة يقرأ شيئاً ولم يكن يعلم شيئاً لكن الله تبارك وتعالى منّ عليه واختصه بالنبوة والرسالة , ولأنه رسول مبعث بكتاب عظيم , فقد علمه الله تبارك وتعالى من ضمن ما علمه قراءة كتابه وبيان ما فيه من هدى وحق مبين , ولا أتصور رسول من عند الله تبارك وتعالى يبعث بكتاب ثم هو لا يعرف كتابه ولا يقرأه , ولا يميز بينه وبين غيره من الكتب !
لقد تعلم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قراءة كتابه من أول آية نزلت عليه ,أول كلمة نزلت عليه في أول آية في أول سورة هي كلمة "اقرأ" في قوله تعالى " بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ " ٥
لماذا كانت " اقرأ " أول كلمات الوحي والرسالة؟
أليس هذا امر من الله تبارك وتعالى للنبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم أن يقراً ؟
وهل تكون القراءة إلا من كتاب مكتوب يقرأه القارئ ؟!
نعتقد أنها كانت عطاء وفتحاً وعلماً للنبي الكريم محمدٌ صلى الله عليه وسلم أنك قد أصبحت قارئاً لكتابك , فاقرأ يا محمدٌ كتاب ربك , واتل ما أوحى إليك من ربك , ... ولماذا غطّه وضمه رسول رب العالين جبريل عليه السلام المرة تلو المرة ؟
وهل ترى ذلك بلا فائدة ولا هدف ؟!
لقد ضمه جبريل عليه السلام وآواه , فاذهب عنه كل ريب فيما يرى ويسمع , وكل ضعف الم به , وكل جهالةٍ نُسبت إليه , وكل غفلةٍ رنّت عليه من قبل , فما أرسله جبريل عليه من ربه الصلاة والتسليم إلا وقد ذهب عن الرسول صلى الله عليه وسلم كل ذلك , فاصبح ثابتاً كالشم الرواسي في أداء رسالته , وأصبح قوياً في الحق لا يخاف في الله تبارك وتعالى لومة لائم , ولا يبالي بمن خالفه وعاداه , وأصبح قارئا لكتابه لا ينساه , وعالماً بهر الدنيا بنور النبوة وعلم الكتاب , فما توانى عن أداء رسالته , وما غفل عن ذكر ربه حتى توفاه .
وانظر في أول آيات نزلت عليه , لقد ذكر فيها القلم , وماذا يعني القلم ؟
أليس القراءة والكتابة ؟
وقوله تعالى " ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ " ٥ ألا ترى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد علمه ربه ما يكن يعلم ومن ضمن ما تعلمه واستفاده قراءة كتابه .
ونؤمن أن القرآن الكريم كما هو في المصحف الشريف لا يزيد حرفاً عن ذلك ولا ينقص ,
هل جمع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم كله في مصحف واحد قبل موته؟
ونعتقد أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم جمع القرآن الكريم في كتاب واحد في آخر حياته صلى الله عليه وسلم حتى آخر آية نزلت عليه من ربه تعالى , ولم يتوفاه ربه تعالى حتى أدى مهمته على التمام , وتمت رسالته , وأقام الحجة على العالمين , بهذا المنهج القويم الذي جاء به من عند الله تبارك وتعالى , وترك فينا ما لا نضله بعده أبداً , والله تعالى يشير للقرآن الكريم في آيات كثيرة "بالكتاب " وفي الروايات المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم قوله " تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً , كتاب الله تبارك وتعالى " لذلك لا يمكن أن نصدق هذه الروايات التي تصف القرآن الكريم بعد وفاة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم , مفرقاً في الصحف والرقاع وسعف النخيل ـ زعموا ـ والأحجار !!! كيف يمكننا أن نصدق هذه الروايات المحمولة عبر مفاوز وتيه وصحراء التاريخ , ونتأول من أجلها كلام الله تبارك وتعالى , وكلام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم , الموافق لكلام الله تبارك وتعالى , وهل معنى الكتاب إلا أن يكون كتاباً مجتمعاً بين دفتين , على هذا النسق والترتيب والهيئة والرسم ؟
كيف يلقى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ربه ولم يترك لنا الكتاب الذي بعث من أجله وشرف ببلاغه مجتمعاً في وصف كلمة كتاب , كيف يتركه مفرقاً مبعثراً في أحجار تلقى على الأرض ! ورقاع ممزقة تبلى ! وسعف النخيل الذى تطير به الريح ؟!!! هل هو بهذه الصفة يسمى "كتاباً " ؟!!
نترك الإجابة لكل ذي عقل وفهم سديد .
هل ينسخ القرآن الكريم بعضه بعضاً, وهل تنسخه السنة أو الإجماع؟
ونؤمن أن القرآن الكريم ليس فيه آية ولا حرفاً منسوخاً , ولا ناسخ لآياته لا من القرآن الكريم نفسه فضلاً عن غيره , فالقران الكريم لا ينسخ بعضه بعضاً, ومن يزعم ذلك فعليه الدليل والبرهان , ولا دليل ولا حجة ولا برهان , إلا من كتاب الله تبارك وتعالى , وما سواه ليس بدليل ... بل يحتاج إلى الدليل ,
أما القول بأن القرآن الكريم تنسخه السنة النبوية , فهو محض افتراء وكذب , والنبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم بريء منهم ومن قولهم هذا , وإلا كيف للرسول المكلف بتبليغ الناس كلام رب الناس سبحانه وتعالى , ثم هو ينسخه بكلامه هو ؟! فإن قلتم ينسخه بوحي من ربه ! قلت سبحان ربي العظيم , المعروف الذي لا خلاف عليه بيننا جميعاً أن ما بين دفتي المصحف الشريف هو كلام رب العالمين جل جلاله وتباركت أسمائه برسمه وهيئته , وليس للرسول محمدٌ صلى الله عليه وسلم فيه شيء إلا التبليغ والبيان , وأنتم تقولون أن السنة النبوية هي وحيٌ آخر غير القرآن الكريم وموازي له , غير أن معناه من عند الله تبارك وتعالى , ولفظه وصياغته من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم , ونحن لا نسلم لكم بهذه أبداً ولا نجد له دليلاً صحيحاً , ورغم ذلك سنحاكمكم إلى ما تعتقدون ـ تجاوزاً وليس إقراراً ـ فكيف ينسخ الوحي النبوي الذي هو من صياغة الرسول صلى الله عليه وسلم , ما تكلم به رب العالمين جل جلاله وتباركت أسمائه , ونزّله كلمات وألفاظ وصياغة ورسماً تاماً كاملاً من عنده سبحانه وتعالى ؟! وهو الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد , وهو الذي تكفل رب العالمين جل جلاله وتباركت أسمائه , بحفظه , وتحدى العالمين بأن يأتوا بمثل آية واحدةً منه , هل هذه الخصائص لكلام الله تبارك وتعالى ـ ما ذكرناه آنفاً وما لم نذكره ـ هي نفس خصائص السنة النبوية ـ والتي هي وحي عندكم ـ ؟! والإجابة الوحيد المتاحة لكم هي لا لا !
إذاً كيف تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ! وكيف تحكّمون الأدنى في الأعلى منه من جميع الجهات والخصائص ؟! وكيف تقضون بهذا الأدنى على الأعلى من جميع الجهات والخصائص ؟! يقوم مالكم ...كيف تحكمون ؟!!! أفلا تذكرون ؟
هل السنة النبوية وحىٌ ثانٍ مع القرآن الكريم ؟
أما السنة النبوية فهي ليست وحياً مستقلاً عن القرآن الكريم وموازي له , إنما هي الحكمة التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم وهى التطبيق العملي الواقعي التبيان والتفصيل لمعاني كلمات الله تبارك وتعالى , والمواضع الصحيحة لكلمات الله تبارك وتعالى ,وهى الفرقان الذي يكشف به حقائق الكتاب المنزل , ويكشف للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ,الأعماق المتعددة لكلمات الله تبارك وتعالى إلى حد معين وليس كلها , فليس لمخلوق كائناً من كان , ولا حتى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه , أن يأتي على آخر كلمات الله تبارك وتعالى عمقاً , أو أن يحيط بها فهماً وإدراكاً , أو أن يبلغ نهاية تأويلها, قال تعالى :" بِالْبَيِّنَٰتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"44 النحل
أما القول بأن " الإجماع " ـ زعموا ـ ينسخ القرآن الكريم والسنة النبوية , فهذه والله العظيم قاصمة الظهر , وفجيعة الزمان , وعار الدهر كله ...... هذه الأصنام التي صنعتموها بأيديكم البائسة , تحكمون بها وتقضون بها على كتاب الله تبارك وتعالى !!!
قال تعالى:" إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ" 23 النجم , وقال تعالى :" مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " 40 يوسف
هل هناك مصادر للأحكام والتشريع مع القرآن الكريم أو بعده؟
ونؤمن أن القرآن الكريم تامٌ بنفسه شافٍ وكافٍ للمؤمنين , ولا يحتاج لغيره من خارجه , وهو المصدر الوحيد للتشريع والأحكام والهدى والرشاد , فمن جاوزه إلى غيره , أو جمع معه ما ليس منه كمصادر تشريعية أو أحكام , أو أصنام أو طواغيت كالإجماع المزعوم وما يشبهه , أو العرف والتقاليد ,أو الأهواء والظنون وزُبالة أذهان البشر في صورة دساتير و قوانين وشرائع , تضاهي شريعة أحكم الحاكمين المنزلة , فهو خروج من ربقة العبودية وحدودها , والطغيان المستبين ومن الظلم الواضح والضلال المبين .
نحن المؤمنون ليس لدينا مصادر تشريعية , لأنه ليس لدينا مشرعين , لا جبريل عليه السلام ـ وحاشاه ـ ولا النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاه ـ ولا أبا بكر ولا عمر رضى الله تبارك وتعالى عنهما , ولا أي أحد من الخلق أجمعين , إنما هو الله تبارك وتعالى وحده , لا شريك له , ومن نازعه في أي صفة من صفات العزة والإلهية قسمه الله تبارك وتعالى قاسم الجبابرة والمتألهين