هنالك نعمةٌ كبرى لا تُقَدَّر بثمن، هي أن تَخْرُجَ من حلبة السباق البشري كُلِّه. أن تَستريحَ من همِّ أنْ تكون الأكثر، أو الأجمل، أو الأظهر بُهجةً. إنها حكمةٌ تمنحك جوازَ مرورٍ إلى حياةٍ أصفى، لا تُقاس بغيرها، ولا تُوزن بميزان الغير.
لا يَهمُّ بعد اليوم أن تمتلك أكثر مما في أيدي الآخرين، فـ "الأكثر" شَبحٌ لا يهدأ، يطارده جيشٌ من الراغبين في الزيادة. والأجمل؟ أيّ جمالٍ هذا الذي يُقاس بمرآة الغير؟ إنه جمالٌ وهميٌّ يذوي إنْ خرج من دائرة المقارنة. وأيُّها السَّعيد الذي يظهر سعادته أكثر من غيره، كمن يَرْشُف الماء ويُصوِّرُ للعطشانين أنَّه يرشف الرحيق!
بل المختارُ أن تعيشَ ببساطةٍ تامّة، كالنسيم حين يمرّ، لا يُحاسب نفسه على سرعته، ولا يقارن عذوبةَ صوته بصوت غيره. تعيشُ وأنت تعلمُ أنَّ النِّعَمَ الحقيقية لا تُرى إلا بالقلب، لا بعيون المتفرجين. وهناك، في ذلك المساحات البسيطة، يولد الهناء الحقيقي، الذي لا يحتاج إلى شهادة أحد.
فإذا اخترت هذا الطريق، سَتَصْفُو حياتك كما يصفو الماء الراكد حين يُترك بلا تحريك. ستكون عِشرتك كاللؤلؤ المخفي، نقيَّةً رقيقة، لأنك لا تُقارن مَنْ تحب بمَنْ حولك، ولا تطلب منهم أن يكونوا صورةً لغيرهم. وقلبك؟ سيصير مرتَعاً للهدوء، حديقةً سريةً تزهر فيها الطمأنينة، وتُثمر الرضا.
يا صديقي، إنَّ أَجْمَلَ اختيارٍ قد تختاره في رحلة عُمْرِك، هو أن تَخْرُجَ من سوق المقارنات. أن تخلع ثوب المنافسة، وترتدي ثوبَكَ أنت، بكلِّ بساطته وجماله الفريد. هناك، حيث لا تُقاس القيمة بعدد الممتلكات، ولا تُوزن السعادة بميزان الظواهر، ستجد نفسك لأول مرة… تعيش.
"حين تختار أن تعيش بلا مقارنة" تختار أن تولد من جديد، في عالمٍ يُقدِّس جوهرك، لا صورتك. عالمٍ يكون فيه قلبك مرشدك، وبساطتك تاجك، وهدؤك أعظم كنوزك. إنه عالَمُ الحكيم الذي فهم أنَّ السعادة لا تُقْتَنص بالسباق، بل تُجنى بالرضا؛ وأنَّ الحياة النقية لا تُبنى بالتكاثر، بل بالاختيار الواعي.
التعليقات