جلسنا في المقهى كالمعتاد، كان المساء ساكنًا إلا من أصوات فناجين القهوة.
قلت لصاحبي فجأة:
— تعلم يا صديقي؟ لقد قررت ألا أؤمن بوجود أستراليا.
ضحك وقال:
— عادل، هل جننت؟! أستراليا دولة معروفة، موجودة على الخريطة!
قلت بهدوء:
— خريطة رسمها بشر، وصور التقطها بشر، وحكايات رواها بشر.
أنا لم أرَ أستراليا بعيني، ولم أزرها.
كل ما عندي هو ما قاله الناس، فهل يُعقل أن أصدقهم؟
هز رأسه مستنكرًا وقال:
— ولكن يا رجل، ملايين الناس سافروا إليها!
قلت مبتسمًا:
— وملايين غيرهم لم يروها. صدّقني، أكثر ما يجيده البشر هو الكلام.
صمت لحظة ثم قال:
— إذًا أنت تشك في كل شيء؟
قلت:
— ربما. حتى التاريخ نفسه، خذ مثلًا صلاح الدين الأيوبي، أليس من الممكن أن يكون شخصية خيالية؟
رفع حاجبيه وقال:
— لا، طبعًا لا! كتب التاريخ مملوءة بذكره!
قلت:
— كتب كتبها من؟ بشر.
سكت قليلًا ثم قال بنبرة فيها شيء من الغيظ:
— هذه سفسطة يا عادل، لو اتبعنا منطقك فلن نصدق شيئًا في الدنيا!
قلت وأنا أبتسم:
— جميل، أخيرًا فهمتني.
ظل صامتًا برهة، ثم قال بثقة:
— لكن هناك فرق، يا عادل، بين الشك في الأمور الممكن التحقق منها وبين نفيها بلا دليل.
أستراليا يمكننا السفر إليها، والتاريخ يمكننا دراسته، والعلم يمكننا اختباره.
نظرت إليه في هدوء وقلت:
— رائع. إذًا أنت تصدّق البشر حين يخبرونك بما رأوه، وتؤمن بعلومٍ لم تجرّبها بنفسك،وتثق في رواياتٍ لم تشهدها…
لكنك حين يخبرك أولئك البشر أنفسهم أن الله خلق هذا الكون،ساعتها فقط تقرر ألا تصدّق.
رفع عينيه نحوي متجمدًا، وكأن الكلمة الأخيرة اصطدمت بشيءٍ في داخله
رحل غضباً
كان صديقي يملأ قلبه اليقين بكل شيء إلا بالله، فأردت أن أشك في كل شيء إلا الله
التعليقات