أنا… مجرد عبد ضعيف، أقولها دوما بعد كل عمل نبيل. ويهتفون من ورائي ما أروع تواضعه! وكما يبدو فإن الوضع لم يكن مريحًا… فهل أنا حقا كما وُصفت؟ أم أنّه مجرد دور ألعبه ببراعة؟

لطالما شاهدت أناسًا يعملون بصمت، لا يبحثون عن الأضواء، وإن حدث وسُلّطت عليهم، خفَتوا. أناسًا لا يقلّلون من أنفسهم بوعي، بل لا يرون في أنفسهم ما يستحق التفاخر. يُثنون على غيرهم بمحبة، ويعترفون بفضلهم دون خجل، ويقولون لا أعلم، دون أن تهتز صورتهم.

أما أنا…أحيانًا أقول عن نفسي ما يُوحي بالتواضع، وأنا أنتظر من الآخر أن يرد بأنّني مميز.

أحيانًا أسخر من المديح، بينما أرتقب سماعه بشغف. وكم مرة أثنيت عن شخص ناجح، داعيا من الله أن يثبتنا، كوننا مقصرين ، بينما في داخلي، كانت الغُصّة تقول: "لماذا هو؟".

أتظاهر أحيانًا أنِّي لا أحب الظهور في الصورة، لا أحب الاستعراض والتفاخر، بينما كنت أتصيده، تهرّبت من المدح علنًا، لكنني خبأته في قلبي كجائزة سرية.

وقد شاءت الأقدار وساقني الله إلى رجل بسيط، في جلسة حوار، لا ألقاب له ولا شهرة، كلماته اخترقت قشرتي المزيفة. خصوصا عندما وصل إلى نقطة أن التواضع يُرى لا يُروى، ولا نحتاج أن نقول عن أنفسنا شيئًا.

وفي حوار مع نفسي، تساءلت. هل صادف أن كنت متواضعًا يوما بحق؟ أم كنت أبحث عن طريقة محترمة لأُشبع بها غروري؟ رأيت التواضع مجسدا أمامي في ذاك الرجل، التواضع لا يلزم الظهور بل ينفر منه أصلا… لا يحتاج لزينة، لا ينتظر مصدرا خارجيا يخبره بذلك، ولا يخشى أن يُنسى. وما كنت عليه سابقا ليس إلا إدعاءا كاذبا، وأحيانا أداءً ناعمًا… لحاجة في نفسي.

ومع إتضاح المعنى، ولا أزعم أني وصلت لهذا وحدي. لكن على الأقل، أصبحت لدي دِراية ولو بسيطة على الأقل بأن هناك فرقًا كبيرًا بين أن أُخفي نفسي لأنني زاهد في الظهور … وبين أن أُخفي أنانيتي داخل صورة خادعة أسميتُها التّواضع.