مرحبًا بكم مجددًا في عالمي الصغير، ذلك الركن الهادئ الذي أعود إليه كلما ضاقت بي الزحمة أو شعرت بحاجة لأن أكتب — فقط لأكتب.
اليوم هو ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، ومع نسمات العيد التي ما زالت تتردد في الأرجاء، قررت أن أمنح نفسي هدنة صغيرة من كل ما يثقل قلبي وعقلي. لا دراسة، لا قلق من الامتحانات، لا جداول مزدحمة ولا خطط مؤجلة... فقط يوم أترك فيه نفسي على سجيتها، تتنفس بحرية.
"أول يوم العيد"
بدأ يومي بنوم عميق أظنه كان هدية جسدي المتعب لنفسه. وعندما استيقظت، لم أندفع كعادتي نحو المهام، بل استسلمت لهدوءٍ نادر، وقررت أن أستمع إلى مسلسل قصير من ست حلقات، تركت الأحداث تنساب في أذني كأنها موسيقى خفيفة.
في المساء، اتفقت مع صديقتي على الخروج في نزهة قصيرة. نحن نسكن في الريف، والمشي في طرقاته الترابية البسيطة له طعم آخر، كأن الأرض هناك تحفظ خطواتنا وتعيدها لنا في شكل ذكريات دافئة. لم يكن حديثنا يحمل أي عُمق، لكنه كان مفعمًا بالضحك، صادقًا كطفولتنا، خفيفًا كما لو أننا نتهرب من فكرة "أننا كبرنا".
عند عودتي إلى المنزل، كان أذان المغرب قد رُفع، فصليت، وجلست بعد ذلك مع عائلتي. لأول مرة منذ وقت طويل شعرت أنني "معهم" فعلًا، لا جسدًا حاضرًا بذهنٍ غائب. تألمت قليلًا داخليًا من فكرة أننا نعيش في نفس المنزل، لكننا في الحقيقة لا نعيش "معًا". الحوارات بيننا قليلة، واللقاءات أقصر، ولكنني تمسكت بهذا المساء وكأنه تعويض خفيف عن كل الأوقات الضائعة.
بعد أن ذهب الجميع للنوم، بقيت مع أخي الصغير — أو كما أحب أن أصفه، "ابني الذي لم ألده". هو يصغرني بتسع سنوات، لكنه قطعة من قلبي، وربما أقرب من ذلك. تربيته كانت مسؤولية تبنّيتها بمحبة، وكأن قلبي نضج على يديه.
قررنا معًا إعداد وجبة إندومي (رغم إدراكي أنها ليست خيارًا صحيًا!) مع بعض المشروبات الغازية والمكسرات، ثم أعددت الفشار، وجلسنا نشاهد كرتونًا قديمًا — لا شيء يعيد لي طفولتي مثله. كنا نضحك من أعماقنا، نشارك تعليقات طفولية وساذجة، لكن تلك اللحظات كانت صافية، نقية، لا تحتاج لأي تزويق.
الآن، وقد طويت صفحة هذا اليوم الجميل، لا يسعني إلا أن أعود للواقع الأقرب: تبقّى على امتحاناتي ثمانية أيام فقط.
ثمانية أيام تفصلني عن محطة مصيرية، عن جهد بذلته ، عن لحظة فاصلة بين ما كان وما سيكون.
أعلم أن القادم ليس سهلًا، لكنني قررت أن أستقبله بروح مختلفة. لا أريده سباقًا مرهقًا مع الوقت، بل عبورًا هادئًا، ثابت الخطى، مهما كان الخوف يحاول التسلل إلى قلبي.
بدأت اليوم بتركيز حقيقي، وبدعاء لا ينقطع. فكل بداية تحتاج إلى نية، وكل نية تحتاج إلى توكُّل.
لذلك، إن مررتم من هنا، وقرأتم كلماتي، فلا تنسوني من دعائكم.
ادعوا لي أن يُثبت الله قلبي، ويُنير دربي، ويجعل هذه المرحلة بوابة خير وبداية جديدة، مليئة بما يُرضي الله ويرضيني.
سأكتب مجددًا إن شاء الله بعد الامتحانات، أو إن ضاقت بي المسافة بيني وبينكم.
كونوا بخير،
واسألوا الله لي الخير كله.
التعليقات