لقد عدتُ إليكِ بعد انقطاع، لا لأنّني نسيتكِ، بل لأنّني كنت أهرب من مواجهة نفسي على الورق. لطالما كنتِ مرآتي، وكلّما كتبتُ إليكِ، رأيتُ حقيقتي مجرّدة من كلّ تزييف. واليوم، حين كنتُ أبحث عن كود الطالب، وجدتُ وصل دفع المصروفات، ومعه وجدت دفتري القديم، كأنّ الله أراد لي أن أفتح هذا الباب في هذا الوقت تحديدًا.
وقرأت ما كتبته يوم ٢٢-٧-٢٠٢٤، يوم بدأت فيه أولى خطواتي نحو الثانوية العامة. كنت أكتب بحماس غريب، بخوفٍ مبرر، وبأملٍ لا حدّ له. كتبت أنني لا أريد أن أندم حين تنتهي هذه السنة، أن أكون فخورة بما بذلت، أن أجعل أهلي فخورين بي، أن أثبت لنفسي أنني أستحق أحلامي.
لكن ما إن قرأت تلك الكلمات حتى شعرت بغصّة. أدركت كم ضيّعت من وقت، كم من لحظة كان يمكنني أن أستغلّها، وكم من فرصة مرّت من بين يدي. ومع ذلك، لم آتِ اليوم لأجل جلد الذات، بل لأتذكّر لماذا بدأت. أنا هنا اليوم لأقول لنفسي: ما زال الوقت ممكنًا، وما زلتُ قادرة على التغيير.
أحلامي كانت كثيرة، متباينة، لا يجمع بينها مجال ولا اتجاه. أردت أن أكون في كلّ شيء، أن أعيش كل الاحتمالات. كنت أؤمن أنّني خُلقت لشيء عظيم، حتى وإن لم أكن أعلم ما هو بعد. واليوم، وأنا على بُعد ١٧ يومًا من الامتحانات، أشعر أنني رغم كلّ شيء، ما زلت أحاول. وما دمت أحاول، فأنا لم أخسر.
لم أعد أكتب لأجل المجموع فقط، ولا لأجل رضا الناس. أكتب لأجل "أنا" التي لم تستسلم، التي تنهض كلّما سقطت، التي قرّرت أن تواجه الحياة، بدلاً من التخفّي منها. لم أعد أبحث عن صورة مثالية، بل عن نسخة صادقة مني، تغضب، وتضعف، وتتكاسل، لكنها في النهاية تعود وتُكمل الطريق.
فيا "أنا" القديمة، لا تحزني، لقد حاولتِ. ويا "أنا" القادمة، ثقي بي، سنصل.
التعليقات