"إنك لا تذهب إلى ما تتمنى، وإنما تجعل نفسك بيئةً مواتيةً له، ليأتيك من تلقاء نفسه"

لا أدري أين ومتى تعرفت إلى هذه الحكمة، لكن أكثر ما ألمحه بها هي أنها تدعو إلى التركيز على الذات، وهذا الأخير طيفًا ينبسق من الأنانية، غير أنها لا تأتي هنا - حسب ما أرى - كصفة خبيثة، فمثلًا:

الابتعاد عن البؤساء

ليس بوسع البؤساء أن يمارسوا أدنى تأثير عليك سوى أن يجعلوك بائسًا مثلهم، أو يسلطوا عليك التفاخر والغرور، وفي هذه الحالة لن تكون أقل منهم بؤسًا بطبيعة الحال، يقدس البؤساء بؤسهم ويعتنقونه، وتمعين النظر في حالهم يجعلك - تدريجيًا - تُصبغ بطباعهم، وكما اعتقد نيتشه، فإن ما تحملق فيه يحملق فيك، أما والاس دي والتس فهو يعتقد أن مساعدة البؤساء يأتي عن طريق التخلص منهم في طلب النمو، وحين تنمو، فيمكنك مساعدتهم، أي أنك تختار نفسك أولًا لتصبح بيئةً قادرةً على العطاء، ولن تصبح هذه البيئة ما دمت تستنشق أفكار البؤساء وأسلوب حياتهم.

حب الذات

في الأوساط الشعبية وبين الدهماء، النرجسي "هو شخص يحب نفسه"، ولكن نحن نعلم أن النرجسي هو شخص غير قادر على التعايش مع ذاته، فيتغذى معنويًا على النفوس الهشة آملًا أن يملأ كيانه الأجوف ونفسه المقفرة، فالأقرب للعقل أن من يحب نفسه حقًا لهو قادر على تقبلها دون تكلفة الآخرين عناء ذلك، ويبدو - في نهاية المطاف - أن المُحِب لنفسه يسهل عليه حب غيره، فالنفس تلقي ما بها بصفة آلية، فإذا كانت مريضة أعيت الآخرين، وإذا كانت طيبة طيبتهم، وما حب الذات وإصلاحها على ذلك النحو إلا دلالةً على الأنانية، فهو يتطلب إقصاء الكثير من الأصدقاء والأقارب الذين يعكرونها، واختيارها هي كأولوية.

المنح

يصبح المانح على ما يرام أكثر من الممنوح، فالمنح هو الاستثمار الأربح للروح، وفعل الخير في الخفاء يشبه دفن كنز بداخلك، يفنى عندما تعلن عنه، فمنح الآخرين ليس سوى فعل يستهدف منفعة شخصية خالصة سواءً من مناظير العقائد أو المنظور السيكولوجي البحت، ويعتقد العديد من الأثرياء أنهم ازدادوا ثراءً عن طريق العطاء

العشق

في محاضرة شاهدتها على TED تتحدث عن الخيانة الزوجية، طرحت المُحاضِرة فكرة أننا نخون لأننا نعثر على ذات أخرى منا مع شخص آخر، فعشقنا للآخرين هو صورة جلية من صور حب الذات والأنانية، فأنا "لست أحبك" ولكن بالأحرى "أنا أحب ذاتي فيك، أحب زاوية رؤيتك لي، فأنا المُختار عندك دونًا عن غيري، أنفاسي بين يديك، وأنفاسك التي تتنهد من أجلي"، وإذا حدث وأن مس أحد الطرفين بقداسة تلك النبوءة أصبحت خيانة فجة.

على أني في العشق أعتقد أنه قد يُمارَس بلا شروط إذا ارتبط بعقيدة صوفية أسمى توحِّد "الكل المتكامل" تحت مظلة الحب، ويصبح المحبوب من جملة هذا المتكامل، لا يمكنني التسليم بأن هذا النوع من الحب يحررنا من دوافعنا البيولوجية التي تسبب الغيرة، ولكني متيقن أنه يخفف منها إلى حدٍ كبير، وأننا نحتاج إلى الالتزام بالممارسات الروحية التي تبقينا عند هذا التردد، حسب تجربتي الشخصية.

هل تود إضافة ملاحظاتك لذلك النص؟ وما هي أوجه الخلاف أو النقد التي توجهها لي؟