هنا: مساء الخير... عندي ميعاد مع الدكتور الساعة ٩

الممرضة: مساء النور يافندم، الاسم من فضلك؟

هنا: هنا.. هنا علاء

تدقق الممرضة في الجدول ثم تنظر إلى هنا مبتسمة وتقول : أيوه مظبوط يافندم، دكتور كريم هيشوفك بعد دقيقة، استريحي.

جلست هنا تنتظر دورها، تنظر هنا وهناك،وتمسك هاتفها تارة لكي تسلي نفسها، وإذ بصوت مألوف يظهر فجأة،رفعت عينيها عن هاتفها ونظرت حولها،تبحث عن مصدر الصوت،شعرت بحرارة تسري في جسدها، وقطرات

 العرق بدأت تتجمع على جبينها، حاولت أن تتمالك نفسها، ولكن ذلك الصوت تحفظه عن ظهر قلب، جعل قلبها يخفق بشدة.

يارب يكون تشابه أسماء فعلًا...يارب، كررت في نفسها وهى تنتظر بحذر.

كريم: دخليلي المريضة.

الممرضة: أستاذة هنا، اتفضلي معايا الدكتور في انتظارك.

تنهض هنا ببطء حتى شعرت بأن ساقاها ارتجفت وهى تحاول الوقوف،أصبحت خطواتها مثقلة وكأنها تحمل جبالًا على كتفيها تقدمت ببطء نحو الممرضة، كانت تمشي خلفها وهى تحاول تهدئة أنفاسها المتلاحقة.

فتحت الممرضة باب الغرفة وأشارت لها بالدخول، ترددت لوهلة وهى تقف أمام العتبة.

سألتها بنبرة جمدت الدم في عروقها: أستاذة هنا ، مش هتدخلي؟

أخذت نفسًا عميقًا ودخلت، وأغلقت الباب خلفها بصوت ثقيل، ليحيطها الصمت المطبق.

كان كريم يحدق في الأوراق التي بين يديه، عاقدًا حاجبيه وهو يحاول فك شيفرة تقرير طبي معقد، تنهد ووضع القلم بجانبه، ثم رفع رأسه فجأة، وكأنه شعر بشيء غريب، وجد "هنا" واقفه أمامه، بملامحها القلقة ونظرتها المترددة، تمسك حقيبتها بقوة وكأنها تستمد منها الثبات.

تأملها للحظة، محاولا قراءة ما يدور في داخلها، ثم قال بصوت هادئ:

-هنا؟

تجيب عليه بصوت مهزوز 

هنا: كريم... أنتَ...؟

يقاطعها كريم ويقول لها: أهلًا وسهلاً، اتفضلي على الكرسي

هنا تجلس على الكرسي في توتر، تحاول أن تتحدث معه ولكنه يظل محافظا على هدوئه المهني.

ينظر كريم إلى الملف ويقول لها:

- عندك مشكلة في الضرس الأخير، صح كده؟

هنا: آه .. كان بيوجعني بقاله فترة

كريم : طيب، خلينا نبدأ، أفتحي فمك

يبدأ كريم بفحصها، لكن التوتر يعتري المكان، بعد لحظة صمت طويلة، 

تتحدث هنا:- كريم... أنا ما كنتش أعرف إنك اشتغلت هنا.

كريم: وهتفرق في إيه؟ أنا طبيب وأنتِ مريضة!

هنا: مش ده قصدي... كنت عايزة أقول إني آسفة...

يتوقف كريم عن الفحص ويبتعد قليلاً.

كريم: آسفة؟ على إيه بالظبط؟

تخفض رأسها في يأس ملحوظ وتقول:

-على اللي حصل بينا... على الغلط اللي عملته.

ينظر إليها بحدة

كريم:خلاص، الموضوع انتهى من زمان، خليني اركز في شغلي.

يكمل كريم الفحص بصمت، بينما هنا تبدو وكأنها تريد الحديث.

بعد الفحص، كريم يكتب الوصفة الطبية ويعطيها لهنا

كريم: خدي دي، وتعالي الأسبوع الجاي نكمل العلاج.

هنا: كريم... ممكن نكلم؟ دقيقة واحدة بس.

كريم: عاوزه إيه... قولي اللي عندك.

تتحدث بسرعة وكأنها تخشى أن يقاطعها 

أنا غلطت، وأنا عارفة إنك عمرك ما هتسامحني... بس كنت عايزاك تعرف إنّي بندم كل يوم.

 يصمت للحظة، ثم يضحك ضحكة ساخرة لكنها خالية من الفرح.

كريم: الندم ما بيغيرش حاجة يا هنا، الخيانة مش مجرد غلطة، دي اختيار...وأنتِ اخترتِ.

تسيل دموعها على جبينها وتقول:

- بس أنا كنت صغيرة، كنت مش فاهمة...

يقاطعها بحزم

الموضوع انتهى، أنا مبقتش الشخص اللي تعرفيه، وأنتِ كمان مبقتيش تعني لي حاجة.

تصمت هنا وتنظر إليه بعينين مليئتين بالندم

 يُشير إلى الباب

كريم: خليني أركز على شغلي، لو سمحتي.

 تنهض، وتمسك بالوصفة الطبية وترحل بخطوات بطيئة..

 قبل أن تخرج، تلتفت إليه وتقول:

- أنا بتمنى لك كل خير،سلام.

 لا ينتبه إلي، وينظر فقط إلى الأوراق أمامه.

تغلق "هنا" الباب خلفها بصمت، ويمتزج صوت انغلاقه بصدى خطواتها الثقيلة في الممر، تمسح دموعها سريعًا وهي تحاول أن تُبقي رأسها مرفوعة، لكنها تشعر أن قلبها يكاد ينكسر من الألم.

تمتمت في سرها

-: ليه كل حاجة لازم تنتهي كده؟

على الجانب الآخر، يجلس كريم في مكانه، يمسك القلم في يده لكنه لا يكتب شيئًا، عيناه مثبتان على الورقة، لكن عقله مشغول بما حدث لتوه، أخذ نفسًا 

عميقًا، وضع القلم جانبًا، ثم مرر يده على وجهه بتعب.

تساءل في داخله وهو يحاول دفع الذكريات بعيدًا:

-رجعت تاني ليه بس ياربي !

لكنه سرعان ما هز رأسه كأنه يحاول أن يوقظ نفسه من التفكير، أمسك الملف مرة أخرى، وأجبر نفسه على التركيز، لكنه لم يستطع أن يمنع نبضة حنين عابرة من أن تخترق جدران قلبه المكسور.

تتدخل الممرضة عليه ولا يلاحظ وجودها حتى ينتبه على صوتها وهى تقول:- دكتور؟.. حضرتك كويس؟

ابتسم ابتسامة باهته ثم أردف قائلا:- كله تمام..خلي المريض اللي بعده يدخل.