"أمتحاني غداً"
كلمة تجوب عقلك ذهاباً وإياباً بينما أنت جالس على مكتبك أمام المراجع والمفكرات تراقبها في صمت
وكلما حاولت لمسها تشعر أن يدك قد سحبها خيط خفي مربوط بثقل ضخم يجذبها إلى الأسفل
فتتراجع وتسأل نفسك لما كل هذا العذاب؟
لما علي أن ادرس كل تلك المعلومات في وقت واحد لأصبها في ورقة الإمتحان في اليوم التالي؟!
أنا في كل الأحوال راسب فالأستاذ قد أخبرني بأني لست أهلا لدراسة تلك المادة
وليلة واحدة لا تكفي لحفظ كل هذا المقرر فما فائدة المجهود إذاً؟!
سأبحث عن وسيلة للغش غداً وسأنام الآن لأرتاح قبل الأمتحان؛
هنا وبعد خلودك إلى النوم يخرج من الركن المظلم في الغرفة بببذلته الأنيقة وطول قامته واضعاً على وجهه قناعا مبتسما وفور تأكده من نومك يزيله ويرميه ويصفق لنفسه ويرحل باحثا عن ضحية جديدة
وهذا يا صديقي كان اليأس المقنع
وهي حالة من اليأس والملل تأتي مصحوبة بسيل من المبررات الواهية ولكنها قد تكون منطقية بل وصحيحة في حالة واحدة وهي إن أردت انت جعلها كذلك
لا يمكنك أن تُمضي شهوراً تحرث وتبذر وتروي وتسمد وترعى الشجرة ثم تحزن عندما تكتشف أنها حنضل
أعلم أنك كنت تريد البرتقال لكنك بالخطأ زرعت الحنضل عوضا عنه
هذا بالظبط ما يحدث عن الوقوع في شباك المقنع
تنوي شيء ثم تتغير المسارات وتتحول نيتك لشيء آخر
كل هذا فقط لأنك صدقت أكاذيب المقنع
ودماغك لا يفرق بين بذور الحنضل والبرتقال ولكنه يفرق بين الدراسة والنوم
فالأخير راحة له والأولى تعب ومجهود
وإذا خيرت أي دماغ بين التعب والراحة فسيختار الراحة بلا تفكير
أدمغتنا هي تماما كالأرض التي زرعت بها لا تفرق بين برتقال وحنضل فأي بذرة تُدفن فيها ستساعدها على النمو والتكاثر
لذلك أنت من يحدد ماذا تريد؟
من الطبيعي إن شكت أمراة في زوجها أن تواجهه بتلك الشكوك والعكس بالعكس
لكن أغلب الناس لا يفعل ذلك!
فالضغط المتولد عن خوفك من رد فعل شريكك قد يكون عائقا في طريق تلك المواجهه الحاسمة
فالعقل يسعى دوماً للأستقرار
ويركن إلى الحلول السريعة، السهلة والرخيصة في ذات الوقت
فلا يجد إلا التجاهل والتصرف كأن شيء لم يكن حلا لتلك المعضلة
رغم كون المشكلة حاضرة وموجودة
لكن عقلك لا يأبه بميثاق الأخلاق والشرف
كل ما يريده هو توفير الجهد
وكلما أدخر طاقة كلما زاد ثقله وضعفت إرادته كدُبٍ بني كبير أستلسم للشتاء القارص ودخل كهفه لكي ينام فيه بضعة أشهر ريثما يرحل البرد وينجلي الثلج
فلا تدع لعقلك فرصة أن يدخر كمّاً من الطاقة يحوله إلى دب سمين وكسول
أعلم أنه من الصعب أن تواجه ومن الصعب أن تتخذ قرارا ببذل مجهود عنيف وانت بكامل قواك العقلية
وما يجعل هذا الأمر صعباً ليس المقنع ولا الشيطان ولا أعداؤك
بل إن لك عدواً لو سلط عليك وحده لتكفل بك
فالشيطان والمقنع أعداءٌ خفيون لكن كيدهم ضعيف لا يملكون إلا النصيحة الخبيثة وتبرير الكسل
أما عودك الأول فأنك تراه كل يوم في المرءاة
إنه أخطرهم عليك لأنه يعلم مسبقا بكل تحركاتك
لا يمكنك إقناعه بسهولة ولا إجباره طوال الوقت ولا تجاهله حتى
عدو يعيش بداخل كيانك ويشكل جزء منه
فإما أن تواجهه او تترك له زمام الأمور وتنتظر نهايتك المحتومة
وهذا ما يصعب المواجهة مع الآخرين ومع المهام الصعبة بل هو أساس الضغط والتوتر والقلق
نفسك هي مصدر هذا الثقل الذي كان يسحب يداك وأنت تذاكر وليس المقنع
لذا فعليك أن تنتبه في المرة القادمة إلى عدوك الحقيقي
لأن معرفة العدو هو أول طريق لهزيمته
ولا تكون هزيمة النفس إلا بتحمل الضغط الناتج عن وزن الثقل الذي تستعمله النفس لتفرض رأيها في كل مرة
وكلما تحملته وصبرت عليه كلما ضعفت نفسك أمامك وزال جبروتها عليك
لذلك قالوا أن الصبر مفتاح للفرج
لأن التحمل والتحامل على النفس يعودها المشاق ويجعلها تألف المجهود وتقبله وتستسيغه
أما الركون إلى الكسل في كل مرة فهو يعودها الإدخار والتخمة
لكنك لن تستطيع تحمل هذا الثقل دون سبب ودافع قوي يحملك على الصبر والثبات لفترات طويلة
وإلا سيقوم المقنع بزرع الشكوك التي ستأكل معتقداتك من الداخل ثم تجعلها حطاماً
ولمقاومة الشك لا بد من إيمان قلبي خالص نقي من الشرك والرياء والنفاق والكبر وما ماثل هذة الأمراض الخبيثة
فبذور الشك لا تنمو في تربة صالحة وبذور الإيمان لا تنبت في أرض قاحلة
تسلح بإيمان صلب قوي ولا تبقي مجالا للتفكير في جدوى ما تقوم به الآن
لأن الإيمان محله القلب لا العقل فصدق بقلبك وأعمِل عقلك فيما تصنع لا في جدوى ما تصنع
فإن صدقت تغلبت على دب الكسل ويأس منك المقنع ورحل عنك الشيطان
ولا تنسى أن لبدنك عليك حقاً
فلا تهمل غذائك وراحتك وتمارينك
فإن لم يكن الوعاء سليما لن يحمل الماء
فصن نفسك تجدها عند الشدائد
ولا تحمل نفسك فوق طاقتها
فما كان كثيراً قسمه إلى أقل
وما كان بعيداً قسمه إلى الاقرب
وما كان ثقيلاً قسمه إلى أصغر
وإذا وقفت بين يدي الله داعياً
فلا تسأله حياة سهلة
بل أدعوه بقوة في نفسك وإيمان في قلبك وثبات في عقلك وأن يعينك على تحمل الحياة الصعبة.