تجربة الموت، لا تعني تلك المرحلة الأخيرة التي يتم فيها اقتيادك للقبر، قد يأتيك نفس الشعور دون أن يفضي لنهايتك، تماما كالاحتضار، شكل يؤدي للموت، لكن يختلجك كثيرا في العديد من المراحل، حين تسود عيناك وتشعر أن لا مستقبل لك، وأن لا غاية لك في هذه الحياة، وما جدوى كل هذا؟

وقفت أمام المغسل في المطبخ، وأمسكت سكينا صغيرا، وغرزته في مرفقي، ونظرت إليه، كان الجرح على شكل هلال، تدفقت الدماء الحمراء بغزارة، تماما حين راقبت في طفولتي الكبش يذبح وتنفجر دمائه كنافورة حزينة..

ضممت يدي إلى صدري وأنا أحاول أن أداري سوء فعلتي، لكن رآني أحدهم، وأغمي عليّ وسمعت بعد ضجيج: إنها لم تضرب عرقها، خيطوا الجرح لا تزال حية..

لا أزال حية؟ لكن رغبت بتجربة الموت الأخير، لا أقوى على أن أظل مجددا في هذه الحياة، وأن أجرب الموت المؤقت كل مرة..

فتحت عيناي، ورفعت مرفقي.. لم يكن هناك الجرح الهلالي، وعرفت أنه مجرد كابوس أقدمت فيه بشجاعة على قتل نفسي، حين لم أستطع فعلها حقيقة، عقلي الباطني صوّر لي تلك التجربة وكأنها حدثت فعلا.. ولأن خلفيتي الدينية تجعلني أعرف مصير المنتحر، كنت فقط أتخيل مرارا وتكرارا أني أقف أمام المغسل قرب تلك النافذة الباهتة وأنا أغازل السكين.. في كل مرة أحمله، أثناء تقطيع الخبز، الخضر، اللحم، اتخيل أني أقطع مرفقي، إلى أن فعلتها في كابوسي ذاك..

شعور لم يكن جيدا، بل شفقة على النفس، لأني اقدمت على الانتحار ولو حلما.. هذا بالتأكيد ضرب من الجنون، مهما حاولت الحياة أن تقحمنا في مواقف سيئة، يجب أن نعيشها، وأن نطمع في الأفضل..

هل ندم المنتحرون حين أقدموا على فعلتهم وقطعوا خيوط حياتهم للمرة الأخيرة؟