عندما كنت طالبا في المرحلة الإعدادية كان أبي يحذرني من الاختلاط بفئة معينة من الشباب، كانت جُل اهتماماتهم هي اللهو واللعب وإفتعال المشاكل مع الزملاء والمعلمين، وأمور أخرى لا داعي للخوض في تفاصيلها.
لم تكن تلك الفئة تصلح للصداقة على أي حال في ذلك الوقت، ولكن كان لدي رغبة غير مفهومة في التقرب منهم وفهم أفكارهم، لم أكن أدري لماذا يفعلون ذلك، وما هي دوافعهم وراء تلك التصرفات بشكل عام.
عندما كنت أناقش والدي وأخبره أنني أود التقرب منهم، وأنني يمكنني أن أجذبهم لطريق أفضل، كان يعترض على ذلك أشد الإعتراض، وكان يخبرني ويحدثني عن أقوال القدماء التي توارثناها جيلا بعد جيل وكذلك أحاديث نبينا – صلى الله عليه وسلم – وأذكر منها مثلا :
قوله – صلى الله عليه وسلم:" إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً "
وكان جدتي تقول دوما (من عاشر القوم أربعين يوما صار واحدا منهم)!!
وصراحة أقتنعت بهذه الأفكار ونشأت عليها وظللت أتخير من أصادق ومن يجب أن أتجنبه في الحال!
والسؤال هنا هل الأمر ينطبق أيضا في حالة التضاد والمواجهة، هل يمكن أن أتصف بصفات سيئة فقط لأني أواجه أو أضطر للحوار مع من هم ضدي فكريا؟!
لقد توقفت أمام مقولة نيتشه ذلك الفيلسوف الألماني، والذي قال ذات مرة (ليحذر ذلك الذي يحارب الوحوش من أن يتحول هو ذاته إلى وحش).
ربما ذكرني ذلك بمواقف كثيرة تصرفت فيها على غير طبيعتي فعلا، منها ذلك الموقف الذي قصصته عليكم أصدقائي في مساهمتي السابقة تحت عنوان (ما بين الفعل ورد الفعل توجد مسافة أنت فيها حر!)
لقد كان تصرفي وردة فعلي حينها مخالفا لطبيعتي فعلا، فأنا هادئ بطبعي وعادة لا يُسمع لي صوت في أي مناسبة بشكل عام!!
هل تتفقون مع هذه المقولة، أم أن لكم رأي آخر؟
التعليقات