...نذهب إلى يوم موتنا غير أننا متشبثين بالحياة, لأنه لا ندرك متى سيحل علينا ؟؟ و لو كان العكس لتسارعنا للوصول إلى ما نريد بأقصى سرعتنا و نحن لا ندرك أن هذا التسارع سيقودنا إلى التوقف و الموت قبل ذلك اليوم و في الغالب سيكون موتا إنتحاريا. لأن أحلامنا مرتبطة بحجم أملنا في البقاء على قيد الحياة و ليس بتاريخ فراقها, حتى و إن كان هذا التاريخ بعيد بألف سنة. هنا تتجلى حكمة الخالق, فجهل حقيقة بعض الأمور خير من معرفتها.
لو كنا نعلم اليوم الذي سنفارق فيه الحياة, هل ستتسارع خطانا نحو تحقيق أهدافنا أم ستتباطأ ؟؟
لقد وضع الله سبحانه وتعالى من خصائص الموت ما يجعل الإنسان يفيق من غرور وجاه الدنيا ويذكره بقدرة الله سبحانه وتعالى , فأخفى الله موعد الموت .. لماذا ؟
بإبهام الموت تظل ذاكراً له عاملاً للآخرة؛ لأنك تتوقعه في أي لحظة، فهو دائماً على بالك، ومَنْ يدريك لعلَّك إنْ خفضْتَ طرْفك لا ترفعه، وعلى هذا فالحساب قريب وسريع؛ لذلك قالوا: مَنْ مات فقد قامت قيامته.
فالموت يتوقعه الإنسان في أية لحظة .. فكلما اغتر تذكر أنه قد يفارق الدنيا بعد ساعة أو ساعات فرجع عن غروره , ورجع إلى الله سبحانه وتعالى .
ولو كان الله قد أعلم كلا منا بأجله وعصينا الله .. وطغينا في الحياة ..وظلمنا الناس .. ثم نتوب ونستغفر قبل موعد الأجل بأشهر .. في هذه الحالة تنتفي الحكمة من الحياة .
ولذلك فإنه إذا كان عاقلا تكون عينه على الدنيا , وعينه الأخرى على الآخرة ..
تخيل أن الجميع يعلم ميعاد موته، فإن كان قريب ستجد الانسان جالس يتعبد ويتوب عن ما صدر منه، ولن يشغله أهداف أو غيرها، وإن كان ميعاد الموت بعيد سيظل يجري وراء أهدافه ويفعل ما يحلو له، وقبل الميعاد بفترة يتوب ويتعبد ليستعد للقاء.
أتفق على اقبال الإنسان على العبادات اذا علم بموعد موته، ولكنه سيقبل أيضًا على تحقيق اهدافه وخاصة لو كانت مصيرية ومؤثرة، فمثلًا لو علم الأب بموته في وقت محدد قريب سيحاول تحقيق أي شيء في عمله واستثمار وقته المتبقي لتأمين شيء لأبنائه .
لو علم المعلم بموته في وقت قريب سيُكمل هدفه في العمل ويحاول انجاز المنهج للطلاب في الوقت المتبقي .
لذلك لن يقتصر العمل على العبادات الشائعة من صوم وصلاة تقرب من الله فقط !
الحياة اختبار، لذا إن علمت أن حياتك ستنتهي خلال شهر وأنت تعمل كمعلم مثلا هل يشغل بالك عملك؟ أم تسارع لتعد نفسك لما هو آتٍ.
مثلا إن كنت تقضي يومك ٩٥٪ لأهداف دنيوية وأهداف شخصية، وال٥٪ الباقيين للتعبد، بمعرفة الموعد ستنقلب النسبة فعليا ولا إراديا.
تخيل لديك اختبار بعد يومين أو مقابلة لعمل بعد يومين، ماذا ستفعل؟ ستتفرغ لتستعد حتى تنجح
، هذا أيضا ما سيفعله أي شخص يعلم قرب موعد موته.
الحياة اختبار، لذا إن علمت أن حياتك ستنتهي خلال شهر وأنت تعمل كمعلم مثلا هل يشغل بالك عملك؟ أم تسارع لتعد نفسك لما هو آتٍ.
أنا لا أظن أن رضيعا سيسارع ليعد نفسه لما آت, لأنه بكل بساطة لا يعي أنه قد يموت بعد شهر. ما أحاول توضيحه هنا أنه لو قدر علينا الله أن نعلم ميعاد وفاتنا فسيكون ذلك من اللحظة التي نخرج فيها للحياة أو على الأقل عند الفترة التي سنعي فيها مالنا وما علينا, و ليس عندما يتبقى شهر من عمرك.
أرى أن الحكمة من إخفاء الله لموعد الموت لا تتوقف عند الأمور الدينية وما بعد الموت فقط, إنها جرة ماء تسقي ظمأ العطشانَيْنِ معا.
التعليقات